الأحد، 2 مارس 2014

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان


ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان


تجربة يسوع - آري شيفر 1795-1858
يبدأ يسوعُ حياته التبشيرية بتجربةٍ بدا فيها دورُ الخبزِ مهمًّا، وبآيةٍ في عرسِ قانا أبرزَ فيها فرح العرسِ وأهمّيةَ الخمرةَ للمدعوين. وأنهاها قبل رفعه على الصليب برسمِ الإفخارستيا من الخبز والخمرِمعًا.
ويجدُ متّى (4: 1-11) ومرقس (1: 12 -13) ولوقا (4: 1 – 13)، بداية الحياة الرسولية ليسوع أنّ "الروحَ سارَ بيسوع إلى البرِّية ليُجرّبه إبليس. فصامَ أربعين يومًا وأربعينَ ليلةً حتى جاع. فدنا منهُ المُجَرِّبُ وقال له: إن كُنتَ ابنَ اللهِ، فمُرْ أنْ تصيرَ هذه الحِجارةُ أَرْغفةً. فأجابهُ: مكتوبٌ ليسَ بالخُبزِ وحدهُ يَحْيا الإنسانُ بلْ بكلِّ كلِمةٍ تخرُجُ من فم الله. فمضى بهِ ابليسُ إلى المدينةِ المقدّسةِ وأقامهُ على شُرْفَةِ الهيكلِ، وقال له: إنْ كُنتَ ابنَ الله فألقِ بنفسكَ إلى بنفسكَ إلى الأسفلِ، لأنّه مكتوبٌ: يوصي ملائكته بكَ فعلى أيديهم يحملونكَ لئلا تصطدم بحجرٍ رِجْلُكَ. فقالَ لهُ يسوعُ: مكتوبٌ أيْضًا: لا تُجرِّب الربَّ إلهك. ثمَّ مضى به إبليسُ إلى جبلٍ عالٍ جدًّا وأراه جميعَ ممالكِ الدُنيا ومجدها، وقالَ له: أعطيكَ هذا كلّهُ إنْ جثوتَ لي ساجدًا. فقال له يسوعُ: اذهبْ يا شيطانُ! لأنه مكتوبٌ للربِّ إلهكَ تسجد وإيّاه وحده تعبد. ثمَّ تركه إبليس، وإذا بملائكةٍ قد دنوا منه وأخذوا يخدمونه".
تؤكّدُ تجربة يسوعُ، على اختلاف مفرداتٍ بين متّى ولوقا، وإيجاز الرواية لدى مرقس، حاجاتِ الإنسانِ الجسدية والحياتية، وصراعه الداخلي بينَ مجدِ الحياةِ الدنيوية والحياةِ الروحية. فيسوعُ صامَ حتى "جاع"، أي أنّه امتنعَ عن الأكلِ طوعًا فضعُفَ لتصيرَ التجربةُ مغريةً، لكنّهُ تجاوز تجربةَ الخبز الذي هو ضرورة،  ورغم تلك الضرورة فالإنسانَ  لا يحيا بالخبز وحده، بل بكلام الله أيضًا. وقياسًا فإنَّ عيسو تنازلَ عن بكوريتهِ لأخيه يعقوبُ لقاء صحنٍ من العدس فخطئ أمام أبيه واستحقّ خسارة بكوريته لأنه احتقرها (تكوين 25: 34) (مرجع: المرشد إلى الكتاب المقدّس صفحة 143). ومن هذا القياس يمكن تقدير حالة الذين يجوعون قسرًا وليس لديهم ما يسدّون به الرمق، فهؤلاء معرّضون للتجارب، وكثيرون يضعفون، لكنّ يسوع يَدعو إلى تحمّل الجوع تجاه الله الذي يعرف حاجات الناس ويؤمنّها لهم.
وعدا عن الخُبز يرفضُ يسوع مجدًا ظاهريًا كأن تحمله الملائكةُ، أو يسجد لإبليس ليملكَ على العالم بما فيه من سلطانٍ وأمجاد، لافتًا إلى أنّهُ لم يأتِ لسلطانٍ دنيوي أو حكمٍ سياسي ليُتوّج على مملكةٍ فانية، بل ليسجد إلى الله ويدعو كلَّ إنسانٍ  إلى التشبّه به. فأكّد منذ بداية بشارته أنَّ من يسمع كلام الله لا يتركه، إذ يُضيفُ متى :" وإذا بملائكةٍ قد دنوا منه وأخذوا يخدمونه"، أي يقدّمون له الطعام. (الكتاب مقدس – هامش صفحة 44 من العهد الجديد)
لكنّ الحياة الجسدية لا تدعو الجميع إلى التقشّف الكامل، بل تسمح بحياةٍ يملؤها الفرح الدنيوي متى اعتمدت باعتدال وبخاصةٍ الفرح الروحي. وعلى رغم رمزية تحويل الماء إلى خمرٍ جيّدة في عرسِ قانا... ومجاراة نشوة المدعوين، إنما يستكملُ يسوعُ مشهد التجربة والخبز بمشهد الخمرِ الذي سيتحوّل في ما بعد على درب الجلجلة فالصليب، إلى خمر الحياة.
لذا يُسدَلُ الستار على حياة يسوع قبل تسليمه إلى الصلب بدعوته رسله الاثني عشر ومن بعدهم جميع المؤمنين على مدى الحياة إلى استكمال تنفيذ الجزء الثاني من جوابه على التجربة الثانية، أي الإنسان يحيا "بكلام الله"، وهنا بجسده ودمه، إلى جانب الخبز والخمر في الحياة الدنيا، ولكن باعتدال وبإشراك الآخرين المحتاجين فيهما.
تخطُّ بداية حياة يسوع ونهايتُها مسيرةً للحياة الاقتصادية والروحية لمن آمنوا وعملوا بكلام الله.
                                   ميشال مرقص
(مقدّمة كتابي: الإقتصاد في الإنجيل)

                             26 آذار 2011 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق