اقتصاد الجماعة – بمحبّة
1 – ما تفعلونه مع إخوتي الصغار فمعي تفعلونه
السامري الصالح – جان دو لا كروا 1798-1863
ينقلُ الإنجليُّ
متى عن يسوع، في الفصل 25 من الآية 31 إلى الآية 36، وتحتَ عنوان "الدينونة
العظمى" في "الكتاب المقدّس"، قولَ يسوع واصفًا تلك الدينونة :
"وإذا جاءَ ابنُ الإنسانِ (يسوع) في مجده، تواكبُهُ جميعُ الملائكةِ، يجلسُ
على عَرْشِ مَجدِه، وتُحشَرُ لديهِ جميعُ الأمم، فيفصلُ بعضَهم عن بعض، كما يفصِلُ
الراعي الخِرافَ عن الجِداء. فيُقيمُ الخرافَ عن يَمينه والجِداءَ عن شِمالِه. ثمَّ
يقولُ الملكُ للذينَ عن يمينه: "تعالوا، يا مَنْ باركهم أبي، فَرِثوا
الملكوتَ المعدَّ لكم منذ إنشاءِ العالم: لأنّي جعتُ فأطعمتوني، وعطشتُ فسقيتموني،
وكنتُ غريبًا فآويتموني، وعُريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم
إليّ". متمّمًا وموضحًا أنَّ "كلّما صنعتم شيئًا من ذلكَ لواحدٍ من
إخوتي هؤلاء الصِّغار (كل إنسانٍ محتاج)، فلي قد صنعتموه"، بخلاف الذين عن شِماله،
الذين لعنهم لأنهم لم يفعلوا ما فعلَ "أهلُ اليمين"، فهم إلى
"النار الأبدية... حيثُ العذاب الأبدي"، لأنّي، كما يضيفُ يسوع في
الآيتين 42 و43 "جُعتُ فما أطعمتوني، وعطِشتُ فما سقيتموني، وكنتُ غريبًا فما
آويتموني، وعرْيانًا فما كسوتموني ومريضاً وسجينًا فما زرتموني". لأنّكم (الآية 45)، "أيّما
مرّةٍ لم تصنعوا ذلكَ لواحدٍ من هؤلاء الصِّغار فلي لم تصنعوه".
ويعتمد يسوع في
"الدينونة العظمى" المقاييس الاقتصادية والاجتماعية بين الجماعات
المؤمنة، كوسيلةٍ للخلاص الأبدي. لم يتحدّثْ هنا عن مخالفات للوصايا او تجاوزات
للشريعة، بل أوصى بطريقةٍ غير مباشرة بالتعاطف والتنازل عن بعض الثروات إلى الجائعين
والعطشين والعريانيين والغرباء، حتى لا يعودُ جميعهم غرباء عن مجتمعهم. فالغريب
هنا، الذي يأتي من بلاد او أمكنةٍ بعيدة لا يجدُ له مأوى في زمن يسوع، أمّا الآن فتبدّلت الأحوال مع تطوّر الحضارة.
والغريبُ أيضًا من لا يمتُّ بصلةٍ إلى الجماعة أو الأفراد، ويتصرّف معه هؤلاء
كواحدٍ منهم. وفي الوقتِ ذاته، يشعرُ الجائع والعطِشَ والعريان بغربةٍ في مجتمعهم
وفي ما بين أهلهم، لأنهم لا يملكون من الثروات ما يملكه أولئك، وحتى أنّهم لا يستطيعون
أن يؤمنّوا قوتَ يومهم. فهم يحتاجون إلى طعام وماء وكِساء ومأوى وطبابة ورعاية
وغيرها.
والاهتمام بهؤلاء
"الغرباء" "القريبين"، لا ينبع إلاّ ممّن أحبَّ أخاه أي
قريبه، وبالإسقاط البعيد جميع الناس. فالسامري (لوقا 10: 30 – 37)، هو الأقرب إلى
اليهودي الذي "عرّاه اللصوص وانهالوا عليه بالضرب. ثمَّ مضوا وقد تركوه بين
حيٍّ وميت"، لأنه "أشفقَ عليه، فدنا منه وضمّد جراحه، وصبَّ عليها زيتًا
وخمْرًا ثمَّ حمله على دابّته وذهبَ به إلى فندق واعتنى بأمره. وفي الغد أخرجَ
دينارين، ودفعهما إلى صاحب الفندق وقال: اعتنِ بأمره، ومهما أنفقتَ أؤدِّه أنا
إليكَ عندَ عودتي". فالسامري، عدو اليهودي، يمثّل الترجمة الواقعية لكلام
يسوع "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم"، بخلاف الكاهن واللاوي اليهوديين
اللذين مالا عن الرجل المصاب.
ويُقيمُ يسوع في
"الدينونة العظمى" توازنًا سيميتريًا بين المال والمحبة، فالمحبّة تقع
إلى يمين الله وحبُّ المال إلى يساره"، وإذا كان المالُ سيّدًا تُمكن عبادتُه
في موازاة عبادة الله، فإن وصيّة "المحبّة" هي في مستوى الوصيّة الأولى
والأهم من بين الوصايا، "أحبب الله"، وتُشبهها وصيّة "أحبب
قريبك". ويورد لوقا الوصيتين في واحدة "أَحْبِبْ الربَّ إلهك بكلٍّ
قلبكٍَ، وكلِّ نفسِكَ، وكلِّ قوتِكَ، وكلِّ ذهْنِكَ، وأَحْبِبْ قريبَكَ حبَّكَ
لنفسكَ". وتعني الوصيّة الثانية أن يُحقِّقَ
المؤمنون العدلَ والمساواة في ما بينهم وبين المحتاجين من إخوةِ يسوع الصغار، أي
الفقراء، فيقدموا لهم ما يحتاجونه من مأكل وكساء وماء ومأوى... في إطارٍ مفعمٍ
بالمحبة، لا أن يكونَ العطاءُ للكبرياء والتفاخر ما يؤلمُ الكرامة الإنسانية
ويُذلّها. يقولُ يسوعُ: "إيّاكم أن تعملوا برَّكم بمرأى منَ
الناسِ لكي ينظروا إليكم، فلا يكونُ لكم أجرٌ عندَ أبيكُمُ الذي في السموات. فإذا
تصدّقْتَ فلا يُنْفخْ أمامكَ بالبوقِ، كما يفعلُ المُراؤون في المجامعِ والشوارع
ليُعظِّمَ الناسُ شأنهم. الحقَّ أقولُ لكم إنّهم أخذوا أجرهم. أمّا أنتَ، فإذا
تصدّقتَ، فلا تعلمْ شِمالُكَ ما تفعلُ يمينُكَ، لتكونَ صدقتُكَ في الخُفْية،
وأبوكَ الذي يرى في الخفية يُجازيك". ويرى بولس في رسالته الأولى إلى اهل
قورنتس أنّه "ولو فرَّقْتُ جميع أموالي لإطعامِ المساكين،...، ولم تكنْ لي
المحبّةُ، فما يُجديني ذلكَ نفْعًا" (13/3).
من كتابي الإقتصاد
في الإنجيل
ميشال مرقص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق