الأحد، 9 مارس 2014

اقتصاد الجماعة – بمحبّة - 2- الإنقلاب ضدَّ الأغنياء





اقتصاد الجماعة – بمحبّة

2 – الإنقلاب ضد الغنى


                                           لتكونَ كاملاٍ وزّع أموالَكَ على الفقراء


يُعتبرُ محتوى "الدينونة العظمى"، منطلقًا لاقتصادٍ مسيحيٍّ سليمٍ، وضعَ له يسوع أسسًا في صورةٍ غير مباشرة. فهو حاول أن يكلّمَ سامعيه بالأمثال "ليفهموا"، فإذا بملكوتِ الله يُشبه الاستثمار الاقتصادي في مفهومه السامي. ولولا سمو المفهوم الاقتصادي عند يسوع، لما شبّه به ملكوت الله. فالتشبيه يفترض الموازاة بين المشبّه والمشبّه به، وإلاّ اختلَّ التشبيه. صحيح أن دعوة يسوع تُركّز على الاكتناز في ملكوت السموات، لأنه "حيْثُ يكونُ كنزكَ يكونُ قلبكَ"، لكنّه لم يمنع الاكتناز في الحياة الأرضية. إذ كيف يستطيع المؤمنون أن يقدموا المأكل والمشرب والكساء والمأوى إلى المحتاجين إذا لم يعملوا. في هذا المجال يقول يعقوب في رسالته (2: 14 -17): "ماذا ينفعُ يا أخوتي، أنْ يقولََ أحدٌ إنّه يؤمنُ، إن لم يعملْ؟ أبوسعِ الإيمانٍ أن يخلِّصه؟ فإن كان فيكم أخٌ عريانٌ أو أختٌ عريانةٌ ينقُصهما  قوتُ يومهما، وقال لهما أحدكم: اذهبا بسلامٍ فاستَدْفئا واشبعا، ولم تعطوهما ما يحتاجُ إليه الجسد، فماذا ينفعُ قولكم؟ وكذلك الإيمانُ، فإن لمْ يقترنْ بالأعمال كانَ ميتًا في حدّ ذاته". ويُتابع: "إن الإيمان من غيرِ أعمالٍ شيئٌ عقيم".
من هنا تعتبرُ الدعوةُ إلى الإنتاج من أركان الاستثمار الاقتصادي، وإلى الاستثمارِ العملُ الجيّدُ والاكتنازُ لمساعدة الآخرين، والتفاهم بين الأخوة بعيدًا عن الطمع والجشع.
محورُ الاقتصاد المسيحي "المحبة"، التي هي بالتأكيد محورُ سلوك المسيحي في حياته. فالحسابات الاقتصادية الدقيقة في أمثال يسوع تعبّرُ عن الدقّة التي يجب أن يعتمدها المؤمنُ في حساباته ليدخلََ ملكوت الله، أو يستحقَّه.
لكنَّ هذا المحور يختلف عمّا سبق وأملاه العهد القديم. فالتوراة العبرانية  "لا تضع في المواجهة التعلق بالثروات وخدمة الله، بل على العكس تثمّن الغنى وتعطي للغنى معنى لاهوتيا" .

الانقلاب ضدَّ الغِنى
يُحدِثُ يسوعَُ انقلابًا إزاء الغنى ويتخذ في انقلابه طابع القسوة: "الويلُ لكم أيها الأغنياءُ، فقد نلتم عزاءكم (لوقا 6: 24)، وهي لهجةُ إدانةٍ مطلقة. و"تبرز هذه الإدانة بكلِّ أبعادها لدى المقارنة بين التطويبات والويلات في موعظةِ الجبل، وبما وعد سفرُ تثنية الاشتراع، بحسب ما يكونُ إسرائيلُ أمينًا أو غير أمين للناموس (تثنية:28) وهنا تتعمّق الفجوة بين العهدين القديم والجديد".
يُعلنُ يسوع: لا يمكن أن تعبدوا سيّدين الله والمال (متى 6: 24) فينتصبُ المال سيّدًا بلا رحمة : إنّه يخنقُ عندَ الرجل الجَشِعِ، كلمةَ الإنجيل (متّى 13: 22)، حيث يقولُ يسوع في تفسيره لمثلِ الزارع "أمّا الذي زُرِعَ في الشوك، فهو الذي يسمعُ الكلمة، ويكونُ له من همِّ الحياةِ الدنيا وفِتْنةِ الغِنى ما يخنقُ الكلمة فلا تُخرِجُ ثمرًا". وتجاهَ قساوة قلوب الفريّسيين يقلبُ سلوكية المجتمع، إذ يطلبُ رحمةً لا ذبيحةً" (متى 9:13، وهي من قول هوشع 6:6)، لا يُبطلُ يسوع الذبيحة التقليدية بعد، لكنّه يذهبُ إلى أبعد من تقدمة الذبائح والتوقف عن العمل أيام السبوت، عندما يكونُ المرءُ في حاجةٍ إلى عمل رحمة، مثل غفران الخطايا وشفاء المرضى...
وعملُ الرحمةِ هذا لا ينطلقُ إلا من المحبّة، من الحبِّ الكبير الذي يستوجب التضحية. وهذا المحور يشكلُ قطبَ الحياة الاقتصادية لدى يسوع. هكذا يدخلُ المؤمنون ملكوت الله ويستحقونَ نعمةَ الخلاص.
ولا نُغفلُ أيضًا دعوة يسوع إلى عدم اكتناز "المال الحرام"، ويمكن لمن جمع المال الحرام أن يعود ويوزّعه على الفقراء ويتوقف تاليًا عن الاستمرار في جمع هذ النوع من المال.


ميشال مرقص
من كتابي "الإقتصاد في الإنجيل"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق