الثلاثاء، 18 فبراير 2014

عملي الأوّل


عملي الأول


الموعدُ منتصفُ آب 1961، عيدُ انتقال السيّدة العذراء في لبنان، وهو عيدٌ رئيس لوالدة يسوع، لدى المسيحيين. أذكُرُ أنّني لمْ أشارِك في الذبيحة الإلهيّة ذلك التاريخ. كنتُ عاتبًا على "أمّي العذراء"، لماذا لا أجدُ عملاً، وأنا أحملُ شهادة الفلسفة؟ ولمَ لا يُفتَحُ مجالُ العملِ لي؟
عاتبني والدي بشدّة، على تخلّفي عن المشاركة في القدّاس. أخبرتُه بأنّ الصلاة لا تنفع. كيف لا أجدُ عملاً وأنا أصلّي... وكانَ جدلٌ شعرتُ بأنني مُخطئٌ في سلوكيّتي.
لكنَّ اليوم التالي لمْ يتأخّرْ. توجّهتُ إلى بيروت، وما أنْ كاد ينقضي ذلكَ النهار، حتى التقيتُ أستاذي في اللغة الفرنسية كريستيان غازي. كنتُ أتجوّل في منطقة ستاركو، البرجُ الحديث في بيروت، فالتقينا بعد سنواتٍ.
كان كريستيان غازي يُدرّسنا اللغة الفرنسية في مدرسة دير ميفوق، أيّام رئاسة الآباتي شربل قسيس للدير. بين 1957و1958. وكنّا على ودٍّ عميقٍ وتفاهمٍ معه. يُتقن لغته ببراعة وشاعرية، ويتعاطى مع طلاّبه بأخلاقيّة وشيطنة... وكنّا نحفظُ ما يصوغه لنا من مواضيع ...ونُتقن تلكَ اللغة....
وكانَ غازي ووالدي، وهو يُدرِسُ في ميفوق، على ودٍّ وصداقة.
شكوتُ إلى الأستاذ السابق حال بحثي عن عمل... دعاني إلى حضور جلسة لأعضاء مجلّة شعر تلك الليلة. وافقتُ. كان مقرُّ المجلّة لصيقًا بمقرِ موقع لسان الحال...
اجتمّع تلك الليلة كلٌّ من يوسف الخال، شوقي أبو شقرا، أـنسي الحاج، ميشال بصبوص، كريستيان غازي  وآخرين تخونني الذاكرة عنهم...
كانت أحاديث أدب وشعر وفنّ. شعرتُ ليلتها بنشوة لهذا الرقيّ، ما عهدتُه في مجتمعاتي الضيّقة، وأحسستُ بأنّ فضاءً بدأ يتسّعُ أمامي، ذي أفقٍ رحبٍ...
نظرَ إلى وجهي النحّات ميشال بصبوص، وتوقّع لي مستقبلاً أو نجاحًا في مجالٍ ما: "عيناكَ توحيان بذكاء" قالَ، فابتسمتُ وشكرتُ...
أنسي، نادى كريستيان غازي الشاعر أنسي الحاج. ميشال يريد أنْ يعمل...دعاني أنسي الحاج أن أزوره في مكتبه في جريدة النهار أول الحمراء...
ثمَّ أعطاني الأديب يوسف الخال كتبًا لأقرأها وأعرض لها في مجلّةِ شعر...
لا تزالُ ابتسامة يوسف الخال المُشّعة، وهدوء أنسي الحاج الطفولي، وطرافة شوقي أبو شقرا، وصفاء ميشال بصبوص ترافقني ...

وعدتُ تلكَ الليلة مثقلاً بآمال...

ميشال مرقص

من "الرجوع إلى الذات" – أحداث وذكريات – قيد الإعداد 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق