عبادة
الله وعبادة المال
ما من أحدٍ يستطيع أن يعملَ لسيّدين
البابا فرنسيس يحملُ صليبًا من فضّة لا تمثالَ لمصلوبٍ عليه
ينقلُ متى عن يسوع (6: 24) "ما من أحدٍ يستطيع أن يعملَ لسيّدين، لأنه إما أن
يَبْغُضَ أحدهما ويحب الآخر، وإما أن يلتزم أحدهما ويزدري الآخر. لا تستطيعون أن
تعملوا لله والمال ". لم يلجأ يسوع عندما شَخْصَنَ المال ومنحه إسم
"مامون"، إلى وسيلة خطابية بسيطة ليمجّد قوّة الغنى. فهو عنى بذلك أن
المال ليس مادةً أو متعًا، يبقى الإنسانُ حرّا في تملكّه أو لا. في كلَّ وقتٍ ،
يمكن للمال أن يصير إلهًا، تُكرّس الحياة له.
بالنسبة إلى الإنجيل، لا تؤسِّسُ العلاقةُ بالمال، فهي أولاً مسألةٌ أخلاقية، بل
مسألةٌ من مستوى روحي. لا يستفسر يسوع عن الطريقة التي يُستخدم بها المال. عندما
يتحدّث عن الثروات، يسأل على أي أساس تُبنى الكينونة: على أي أساس يَبني الإنسان
حياته؟ وأي إله يتخذ له؟ يُمكن للمال أن يصير إلها. ما معنى إذًا " تخدمُ
مامون"، هل يعني أن يستثمرَ المرءُ وجوده في خدمة المال؟ هنا يبدو الوصفُ
إيحائيًا: فكلمة مامون تأتي من الجذر الآرامي "أمان" ما يعني الاستقرار،
ومنها كلمة "أمين"، بها نؤكّد أن الصلاة هي حقيقة. فـ"مامون"
تعني صُلب، مستقر، موضع ثقة. "مامون" هو ضمان الاستقرار. (2)
...فالغنى لا يضمنُ
حياةً أطول
ويضربُ يسوعُ في هذا
المجال، مثل الغني الجاهل، ردًّا على من طلب منه التدخل عند شقيقه ليقاسمه
الميراث، ( لوقا 12: 13) وفيه يدحض أن تكون الثروة ضامنة لبقاء الإنسان:
"رجلٌ غنيٌّ
أخصبتْ أرضه، فقال في نفسه: ماذا أعمل؟ فليسِ لي ما أخزنُ فيه غلالي. ثمّ قال:
أعملُ هذا: أهدمُ أهرائي، وأبني أكبرَ منها، فأخزُنُ قمحي وأرزاقي. وأقولُ لنفسي:
يا نفسُ، لكِ أرزاقٌ وافرةٌ تكفيكِ مؤونةَ سنين كثيرة، فاستريحي وكُلي واشربي
وتنعّمي. فقال الله: يا غبي، في هذه الليلة تُستَرَدُّ نفسكَ منكَ، فلمن يكونُ ما
أعددتَه؟ فهكذا يكون مصيرُ من يَكنَزُ لنفسه ولا يغتني عندَ الله" (لوقا 12:
16-21).
ويعني تكديسُ
الثروات، من قِبَل هذا المالك الكبير، القلق من الغد، الخوف من الحاجة. في إرادته،
أن يؤمّن على حياته بتحقيق الوافر من الثروات، فتلعبُ لديه المكافحة تجاه عدم
الثبات، والقلق في مواجهة الفقر. يطمئنُّ الغني، ولا يعودُ يخشى حتّى الموت،
"استريحي يا نفسي"، لكنّ السخرية تبرزُ في وقتٍ اعتقدَ أنّه
انتصرَ على ضعفه. ففي جاذبية المال يتربّصُ الموت. لأن المال يقدّم هنا كأنّه
ضمانٌ ضد الموت. أو بالأحرى: إذا استُثْمِرَ
المالُ كصنمٍ مخلّص، أو حصنٍ مميّز للخوف من الموت، يترك وضعه كشيء ليصير
مامون. "مامون" الذي يحمي من الموت.
يصفُ الإنجيل سلطان
المال بقوله‘ إنه يتعلَّق بـ "مامون جائر" (المال الحرام)، (لوقا
16، 9: 11). ويتقدّمُ سببان في الإجمال، لتكديس المال الحرام، من دون أن ينفي
أحدُهما الآخر. تشيرُ العبارة أولاً، ومن دون مواربة، إلى أن المال يدور في نظامٍ
اقتصادي مولدٍ للظلم. قبل كارل ماركس، قالها يسوع! لكنّ
المال بخاصةٍ خدّاع لأنه لا يقدّم ما يعد به. فوعود هذا "الإله" هي
أوهام، لأنها لا تحوّل عجزنا إلى قوّة، ولا ضعفنا إلى أبدية. "مامون" لا
يقدّم الضمانات التي ننتظرها منه.
عبارة "مامون
الجائر" هي ذات شفافية فجّة. توحي للذين يكدّسون المال، بأنهم شركاء في نظامٍ
اقتصادي ظالم، وهم في الوقت ذاته، ضحايا وهمٍ قاتل. هل هذه الكلمة الأخيرة في
الموضوع؟ لا ، لأن الإنجيل يُسجّلُ إلى جانب هذه المسلّمة، منفذًا من دون مجاملة.
ويسمحُ لقاء يسوع وزكّا العشار بتقدّم خطوة، باختياره تغييرًا ممكنًا في استخدام
المال.
(1) - في الكتاب المقدّس
– دار المشرق – العهد الجديد – حاشية صفحة 54:الترجمة اللفظية: "مامون"
هذا اللفظ يجسّد "المال" كسلطان يستعبد العالم.
- وفي المحيط الجامع
في الكتاب المقدس والشرق القديم – الدكتور الخوري بولس الفغالي – المطبعة البولسية
– الطبعة الأولى 2003 صفحة 1125 : مامون الآرامية: الغني. المأمون والثابت المال.
المال وكأنه شخصٌ حي وقوّة تستعبد العالم(مت 6؛24؛ لو 16؛13 و16؛9 ).
- مامون من أمن أي
اطمأنّ إلى أمره.
(2) Le monde de LA BIBLE العدد 172، تموز – آب
2006، دانيال مارغيرات "الله والمال" صفحة 17.
من كتابي – الإقتصاد
في الإنجيل
ميشال مرقص