الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

"النهار": عيب ...كتير عيب


"النهار": عيب ...كتير عيب


النهار – يعني جريدة النهار البيروتية – التي قيلَ فيها يومًا إنّها "صرح الديموقرطية" – تمحو من موقعها الإلكتروني – مواقع أو زوايا زملاء مرّوا فيها لعقود – وحرموا القرّاء في متصفّح غوغل من إبداعات ادبية واجتماعية وسياسية واقتصادية ...
قال ديموقراطية قال... ويخافون من أقلامٍ حُرّة استُشهِدَ في سبيلها منْ استُشهد ... يا حرام.
حُذف موقعي الإقتصادي من جريدة النهار – وكان يضم أكثر من 600 مقال في الإقتصاد والإجتماع ضمنته كتابين: "لن يبقى غير الكلام" – والإقتصاد في مسرح الإغتيال" ... وأسعى إلى إعادة نشر المقالات في متصفّح غوغل...

ميشال مرقص

الجمعة، 22 يونيو 2012

أوراق ثبوتية للاقتصاد اللبناني


أوراق ثبوتية للاقتصاد اللبناني

بقلم ميشال مرقص

النهار 23 تشرين الأول 2006
نادرة هي الخطب السياسية ذات الطابع الحزبي، التي تحمل في صفحاتها بذور المنهجية الاقتصادية والاجتماعية، الى جانب المنهجية السياسية العامة. لذا لا يمكن تجاوز خطاب الرئيس النائب ميشال عون، (15 تشرين الاول 2006) وما تضمن من مفردات اقتصادية واجتماعية، لا تدخل اذن السامع الا نادرا. فالعماد الذي ثبّت استحالة "ان تبنى دولة تقوم على الفساد والرشوة"، رسخ الأسس، التي يمكن لهذه الدولة ان ترسي عليها دعائمها، وتتبلور في اعادة الاعتبار الى الخدمة العامة، "ورفع مستوى جودتها وتحديثها، وعدم تسييس الادارة". واهم من ذلك كله، تحييد المال العام بفصله عن السلطة، "ليتحول المال اقتصاداً منتجاً ولتتحول السلطة دولة عادلة". هذه المسلمات هي المدخل السليم لتعزيز افق الاقتصاد فيكون اقتصاد تنمية واقتصاد عدالة واقتصاد دراية وتحسّب.في المفردات الاقتصادية لخطاب العماد عون، صوغ جوهري لسياق احياء الاقتصاد المنتج المتعلق بتفاعل الحياة المجتمعية ودورتها، والمبني على تزاوج بين النشاط البشري واستثمار المال والثروة. فلن يتمكن اقتصاد التنمية من دون الاخذ بالتكنولوجيا الحديثة وتعميمها لتعزيز قدرات الانتاج بخفض التكلفة وتحسين النوعية وتقوية الميزة التفاضلية، يتبعها حتما تعزيز القدرات التسويقية. لكن معيار اقتصاد العدالة لن يتحقق الا بالتوازن بين الاعباء والفرص للمواطنين جميعا. فالشق الاول من النهوض بالاقتصاد، وفق الخطاب، يرقى بالمستوى التقليدي للتوصيف الى المستوى الانساني حيث الابتكار والعطاء يتمثلان في تحسين جودة الانتاج وتسويقه، فيحقق قيمة مضافة عالية، وحيث للانسان حق الانصاف فلا تتوجب عليه الضرائب من دون ان تتساوى حظوظه مع مواطنين آخرين خدمتهم السياسية والمحاصصة، وقد لا يكونون التزموا بواجباتهم الضريبية.وفي كلام العماد عون، بحث عن هوية للاقتصاد الوطني، باعادة لملمة الاوراق الثبوتية وتكوين ملفاته الجديدة تمهيدا لادخالها بوابة العولمة. هذه الدعوة قد لا تكون جديدة، ولكن جدتها تتجلى في المفردات الاقتصادية التي فرقت بين اقتصاد التنمية واقتصاد العدالة بلوغا الى اقتصاد الدراية. فالبيانات الوزارية في مجملها تطلعت صوب تحقيق اقتصاد انتاجي، وخصوصا بعدما استفحل الاقتصاد الريعي نتيجة التوسع في الاكتتاب بسندات الخزينة ذات معدلات الفوائد المرتفعة، فصار الاكتتاب فيها، بعد سنوات، من اجل تغطية كلفتها وليس من اجل تحقيق اعادة الاعمار. ولما تقلصت قدرة المصارف المحلية على رفد الخزينة بالمال، تحولت الحكومة الى الاسواق الخارجية، وتلتها بعمليات "سواب" او بمؤتمرات دولية تساعدها على استبدال دين بآخر، وهي سائرة الى مؤتمر دولي جديد. ورغم السياسة اللولبية التي تتبعها الحكومات، في التخطيط المالي للنفقات والواردات، فقد تخطى الدين العام اربعين مليار دولار وانهك الموازنة العامة كلفة تراكمية بلغت حدود الـ32 مليار دولار اميركي دفعت كاملة او اضيفت الى الدين. لذا بقي كلام البيانات الوزارية، مثل قصص الف ليلة وليلة، مزوّق العبارة قليل الانتاجية، يرضي العامة، ويثير فريقا من الخاصة. ولا يقل عنه تنميقا الاستطراد الدخيل في تلك البيانات حول وقف اهدار الاموال العامة وحول تحسين اداء الادارة العامة وحول التحقيق في ملفات الفساد وحول خصخصة مرافق عامة للتخلص من اعباء الدين العام.لقد اضاعت الحكومات المتعاقبة، منذ بداية تسعينات القرن العشرين، فرصا ثمينة جدا وافلت زمام الحكم من يدها، ولم تستطع ضبط المسار السياسي ولا المسار الاقتصادي والاجتماعي ولا حتى الامني. ولا يمكن، حتى الآن، ان تفخر حكومة بانجازات لها في هذا المجال، ليس من ناحية بناء المنشآت والمؤسسات، بل لناحية تفعيل عمل هذه المؤسسات. وهي اذا كانت نجحت في تأمين التعليم الرسمي المجاني وبناء مستشفيات حكومية، فان انتاجية هذه المؤسسات ليست كافية، ولا هي استطاعت ان تنقذ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي او توفر المال الكافي للمهجرين وتوقف الطمع في قسم كبير منه. ورغم انفاق الاموال، بمبالغ طائلة على شبكات الطرق وشبكات الهاتف والمياه والكهرباء، فان قسما كبيرا مما نفذ ليس بالمستوى الفني او المستوى التقني العالمي، او حتى بالمستوى الاقتصادي العادي. فكلفة البنية التحتية جاءت مثقلة بالاهدار وبالسرقة المباشرة او بتزوير المواصفات. كما ان البيانات الحكومية التي بشرت بالاهتمام في الشأن الاجتماعي قصرت عن الوفاء ببشارتها، وهي ساهمت بالمساعدات على مستوى الهوى السياسي والتعامل المحاصصي، وهذا الاهمال هو الذي لفت رئيس تكتل التغيير والاصلاح النيابي العماد عون، الى الحديث عن اقتصاد الدراية.
فاقتصاد الدراية لم يتمثل جيدا الا على صعيد احتياط مصرف لبنان بالنقد الاجنبي والذهب. وكانت حكمة نقدية ان يتعزز احتياط المصرف المركزي ما ساعد في استقرار النقد الوطني فحافظ سعر الليرة على استقرار طويل الامد، خصوصا في جبه الازمات، ما حفظ مدخرات اللبنانيين الى حد ما، رغم ما قيل عن الثمن الكبير الذي دفع في تثبيت هذا السعر. ان الهم الاساس لاقتصاد الدراية والتحسب يكمن، وفق الخطاب، في "الحرص على الا تُستهلك اليوم مقدرات الغد والا تُلقى على الغد تبعات الماضي من دون حساب. ومن متطلباته ادارة واعية ومسؤولة للاعباء والاخطار المالية، بالاعتماد على مقدرات اللبنانيين، وعلى دعم الدول الصديقة والمؤسسات المالية الدولية. وهمه ايضا دعم المؤسسات التي تعبر عن التكافل الاجتماعي، ولا سيما الصحية منها، وضمان الشيخوخة والتعليم، والسهر على حماية مدخرات اللبنانيين من اي مخطار او تعديات. وكذلك حماية مقومات البيئة الطبيعية والثقافية للبنان، كما وتعزيز العلاقات بالمغتربين اللبنانيين عبر تأطير طاقاتهم الفكرية والاقتصادية لتعزيز مواقعهم وافادة لبنان منها".صحيح ان كلام العماد عون يصب في بحيرة ما تقول به الحكومة، وما قالت به الحكومات، وما صرح به رؤساؤها ووزراؤها الى رئاسة الجمهورية. لكنه رافد غزير وواسع وذو منهجية مترابطة ضمن الاطار السياسي. فالمشكلة ليست في القول، بل في التنفيذ، وليست بتبني الاعمال الحكومية الروتينية، على انها اعمال بطولية، فهي تصب في اتجاهات رياح الانفاق المتعاكسة، وتنضب جدواها عندما تسطع الحقائق في مهجر الحساب. يجب ان يلمس المواطنون جميعا جدية الحكومة في العمل، شفافيتها في برمجة سعيها لتحقيق اقتصاد الانماء المتوازن المشلوح على رصيف اتفاق الطائف منذ 16 عاما، او اقتصاد العدالة وقد سقطت كفتا الميزان وبقيت العدالة الاقتصادية عمياء، او اقتصاد الدراية والتحسب، علما ان احتياط الموازنة ذاب في اتون الانفاق الهستيري. كيف يمكن للحكومة ان توازن طروحاتها بما هو جدي، وهي ساهمت في تهجير اكثر من ثلثي القوة العاملة اللبنانية، اما بسبب العجز في ايجاد فرص العمل، او بسبب الاضطهاد السياسي، او بسبب تشليع العمل الاداري الذي صار مبنيا على المحاصصة والوساطة السياسية وليس على الكفاية والجدارة ونظافة الكف. وكيف يمكن لحكومة ان تعلق وسام استحقاق نتيجة جهودها، وهي تعلم ان ما تم تنفيذه في الاعوام الست عشرة الماضية لم يكن في مستوى الكلفة الباهظة التي دفعها الوطن الصغير.ليس المهم ان تتلاقى الافكار والبرامج والاسس في الخطب والبيانات والمناسبات وكلام الصالونات. الاهم ان يتلاقى، من اطلقها، على سبيل واحد لتنفيذها. فالعماد عون واحدٌ ابرز الخلل ووضع التصويب السليم له. قبله، وفي برنامجه لرئاسة الجمهورية تناول النائب الشيخ بطرس حرب الشأن الاقتصادي والاجتماعي، وكان لقاء قرنة شهوان تذكير دائم بسقطات الحكومات وتقصيرها وانحيازها الى مؤيديها من دون المعارضين، كما تخطو في سياقها الحالي. لكن اما آن تاريخ نفض الحزبيات الضيقة وتهديم الجدران العازلة بين الافرقاء اللبنانيين والبحث عن الاوراق الثبوتية، ليس للهوية السياسية فحسب، بل للهوية الاقتصادية والاجتماعية، والسعي الى الانصهار وتوحيد سبل المعالجة لاوضاع هذا الوطن؟

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

قيادة أخلاقية لإنقاذ البلاد

قيادة أخلاقية لإنقاذ البلاد
ميشال مرقص

في 26 حزيران 2007
أي - قبل 5  سنوات

لا يمكنُ إنقاذُ الاقتصادِ الغارقِ في الاستنزافِ، داخلَ الوطن الصغير، ما لمْ يتمُّ إنقاذُ الدولة. الاقتصادُ ليسَ جسما دخيلاً ولا نافرا، ولا هوعضوٌ منفصلٌ عن هيكلِ جسم الدولة، إنّه الرئةُ، وقد أعطبها حالُ السموم المنبعثةِ من جوِّ السياسة الخانق ولزوجةُ الوضع الأمني، المهدّد مثلَ سيف ديموقليس، فوق الرؤوس. ومع انهيار أسس الدولة، لا أحد، ممن يُظَنُ أنّه مسؤولٌ، يتعاطى بأخلاقيةً عالية ومترفعة، ومنزّهة عن الغايات، من أجل إنقاذ الوطن. والتنزّه عن الغايات، لا يعني فقط، نظافةَ الكفِّ، إذا وجدتْ، وقد عزّتْ كثيرا، بل نظافةَ المسؤول من كلِّ الأهواء التي تتقدم على انتمائه الوطني، مهما اعتبرتْ بعضُ الأهواء سامية، كالأهواء الطائفية والمذهبية. وهذان التنزّه والترفّع عن الصغائر والكبائر، لم يعودا مدرجين في قاموس أخلاقياتِ اللبنانيين، بدءا من المتربعين في كراسي الحكم وفي صفوف الذين خارجه. فلا الناس، ولا المؤسساتُ ولا مقومات الاقتصاد أو الاجتماع، باتت قادرةً على الاستمرار، في ظلِّ عدم المبالاة بالمصلحة الوطنية العامة، كأنّ أيّ "زعيمٍ" صارت أطرافه أوسع من أطراف الوطن.لقد تركت أحداثُ ربيع 2007، بصماتها على جسد الوطن الصغير. في عاصمته ومدنه وبلداته، رعبٌ من متفجّراتٍ ممكنة، ومن اغتيالات ظُنَّ أن الأحقادَ الدافعة إليها قد شُفيت، لكنها مثل الجربِ تختفي ثم تعود. الأسلاكُ الشائكةُ وسط العاصمة وفي المنطقة الخضراء، وإقفال شرايين النقلِ الرئيسية، ووضع الشرائط الصفراء والحمراء على جانبي الطرق، ورصف بلوكات الباطون، وتعزيز دور مواقف السيّارات الخاصّة، والإشراف على أمنها من شركاتٍ متخصّصة، كلُّ هذه الظواهر، تُنبئ بكساحِ الحالِ في الوطنِ الصغير. فالرعبُ والحذرُ يجاورانِ المتنقلين بين هذه الأقنية الضيّقة، والشوارع التي صارت أزقّة. وحدها الشركاتُ الخاصّة للحفاظ على الأمن، ومواقف السيارات الخاصة ازدهرت أعمالها، وتحسّنت عائداتها. الشركات الأمنية باتت غيرُ قادرةٍ على تلبية الطلبات، عديدها يزداد، وصارت تُشكّلُ أكبر ميليشيا في البلد.وسط هذا الضجيج الهائلِ من الشحنِ السياسي والأمني، المتمادي عميقا في النفوس، صار سلوكُ الناسِ قدريًا. والمؤسسات تعوي من شحِ نشاطها، والقرفُ نصبَ مضارب خيمه وأقامَ في القلوب والأفكار واللعناتُ لا تقوّمُ التواء الخط السياسي. رغمَ ذلكَ كلّه، يبرزُ إلى الواجهة عمقُ الخلافات الاقتصادية، بين مسؤولين سياسيين، ومواقع في الفاعليات الاقتصادية، البعضُ يهمّشُ الصناعة، والبعضُ يعتبرُ الزراعة عبئا، وآخرونَ لا يرون في التجارة فائدةً لايجاد فرص العملِ المرجوّة، وتتناقضُ المواقفُ في ظاهرةٍ للتفلُتٍ من إطارِ الرؤيا الاقتصادية الواحدة. فلا يمكن لمسؤول أن يُنكرَ حقَّ قطاعٍ من نشاطاتِ الاقتصادية في طلب المساعدة أو المساندة وسطَ هذه الظروف الدرامية المتسلسلة مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، من دون تشكيل فرصٍ للاستراحة واستلحاق النفس. وأيُّ نشاطٍ اقتصادي يتمّم النشاط الآخر، فلا يُمكن أن ينشطَ قطاعٌ تجاريٌّ وينمو وهو يسوّقُ لنشاطٍ صناعي غريب. عندما نشطت الصناعةُ الوطنية قبل بداية الحرب اللبنانية - اللبنانية، كانت تموّن السوق التجاري بنسبة 40 إلى 60 في المئة وتُصدّر بنسبة 40 في المئة من قيمة الاستيراد. اليوم، ومع توسّع النشاط التجاري، وازدياد حجم الاستيراد الاستهلاكي، لم يعد للصناعة في السوق اللبنانية الداخلية، أكثر من 35 في المئة. حتى أن القطاع العام يتبرّمُ مما هو صناعة وطنية، فيتجاوزها في الصفقات العامّة، رغم توافر المواصفاتِ العالمية في الإنتاج المحلّي وضمان جودته. لم تكن الجودة يوما سببا في استبعاد الإنتاج المحلّي، بل الصفقات التي عمّرت جيوب النافذين. وهي لا تشكّل أكثر من 25 في المئة من قيمة سلّة الواردات.في دراسةٍ لنا، مع وزير الصناعة المرحوم جورج افرام، هو الذي كانَ يريد تأمين 50 ألف فرصة عمل صناعية في سنوات قليلة، أن القطاع في 2010، كان يمكن أن يستوعب 350 ألف يد عاملة محلية، إذا توفّرت الشروط الملائمة لتنميته. أول الشروط تحديث المؤسسات الصناعية، الأخذ بإنشاء صناعات قابلة للحياة ولا يوجدُ منها في لبنان، تطوير الإنتاج الصناعي وفق حاجة الأسواق المحلية والخارجية، ترشيد الإنتاج لناحية الكلفة، ومن ثم تحديث التجهيز الصناعي، وإعادة النظر في مساعدة الصناعات المستهلكة للطاقة، والتي لا يمكن استبدالها. وكان السقفُ الأعلى للرسم البياني، يتصاعدُ حتى 500 ألف يد عاملة. وفي الزراعة، وضعت دراساتٌ لتحديث القطاع، وهي لا تزالُ قائمة. المشروع الوطني للمسح الزراعي، وضع هيكلية جديدة، تمّ الاهتمام على صعيد تربية الماشية ومنها الأبقار، وتوسّعت الزراعات العطرية التي يُصدّرُ إنتاجها إلى فرنسا لاستخراج العطور الفرنسية، وكذلك العمل على تطوير الصناعات الخالية من الأسمدة الكيميائية والمبيدات. ودرست سلاسل الزراعات المتشابهة في المناطق، وتطوّرت صناعةُ زيت الزيتون والمشروبات الروحية وغير الروحية، وصناعة الكونسروه والمأكولات، لتوافر المواد الأولية محليًّا.تصحيح القدرة الإنتاجية، تلزمه تضحية سياسية، فاستيعاب اليد العاملة الوطنية، يشكّلُ في ذاته، استراتيجية لبناء الوطن. زيادة اليد العاملة يعني تصحيحٌ لمسار الإنفاق الوطني. النشاط الإنتاجي يزيد فرص العمل في قطاعاتٍ أخرى خدمية أو تجارية. وهذه القوة العاملة تصيرُ، في تكوين قدرتها على الإنفاق، مصدرَ دخلٍ للنشاط التجاري، عدا عن كون هذا الأخير يموّن المؤسسات الإنتاجية بمواد أولية، وبالتجهيزات والمتممات. ومواردُ الأموال توظّفُ في المصارف، وتَستكمل الدورة الاقتصادية انسيابها الطبيعي.الوضعُ السياسي المضطرب، وما يرافقه من خللٍ أمني، أقصى المسؤولين عن الاهتمام بالنشاط الاقتصادي. هم في الأساس يميلون إلى تنظيم قطاع المال، ويستسهلون تأمين الموارد للخزينة. الوضعُ أحدثَ فجوةً كبيرةً، وصارَ أمرُ مساعدة المؤسسات الإنتاجية ملحًا للاستمرار، لكن ليس على حساب الجودة، ولا على حساب النوعية والأثمان. الدراسات المعمّقة تُظهرُ مواقع القوّة ومواقع الخلل والضعف، ولا يجوز إهمال أيُّ قطاع.وما يُخجِلُ، على صعيد المسؤولية، أن يُطبّقَ مجلسُ الوزراء أحكام قانون الإغراقُ، استنسابيًا. في القانون حماية القطاع المنتج، وليس المؤسسة فحسب. لكن ما صدرَ من حمايةً لإحدى المؤسسات، هي في حاجةٍ لها، حرمت منها مؤسسة شبيهة في الإنتاج ذاته، وتحت البند الجمركي نفسه. ورُفض نحو 20 طلبا لمؤسساتٍ ثانية، والإغراقُ في ذاته هجّر مؤسساتٍ إلى الخارج، كانت قد أنشئت حديثًا، وشلّ إنتاجية مؤسساتٍ أخرى واقعد آلاف العمّال عاطلين عن العمل.في هذا الوطن، حيثُ يُبرّر المسؤول تصرفاته، ويزجُّ نفسه مخطئا مع من سبقه في الخطأ، صار لزاما البحثُ عن قيادةٍ أخلاقية، حتى من الخاطئين الذين يتوبون. مستوى الحكمُ المنقذ اليوم هو مستوى الأخلاق. الحاكمُ ذو الصفات الخُلُقية يكونُ مثالاً للآخرين، للرعية، ويؤسس لدولة المؤسسات. لا يُبنى وطنٌ من دون توافر قيادة أخلاقية، ولا ينمو اقتصادٌ ما لم تتوفر الأخلاقية في حوكمة الإدارات، وتنعكس في نوعية النشاط وفي التزام المنتجات أحكام التقييس والجودة. السلطةُ الأخلاقية تستعيدَ ثقةَ الناس بها، تستعيد موّدة الرعية، واحترامَ العالم. لا تعودُ ملزمةً إلا بالوطن وبالمصلحة العامّة، وتنفيذ القانون بلا محاباة. وفي منجم السلطة الأخلاقية تندرُ الدررُ والجواهر، فتصير غالية الثمن!إن خـــلاص الوطن الصغير يبدأ بتوفير سيادة أخلاقية. هي تقودُ إلى استقلالٍ حقيقي، ونموٍّ حقيقي، وازدهارٍ حقيقي، وتخلصُ من التبعية، ومن التماس الخلاص من الخارج حيثُ تضطرب معاييرُ التسويات لحساب المصالح المتنافسة على تطويع هذا الوطن في خانة الاستلحاق التبعي، وتدمير اقتصاده لحســـاب اقتـــصـــاد الآخـــرين، تماماً مثل تدمير قواعد الحكم فيه.

 

الجمعة، 6 يناير 2012

الإقتصاد العالمي يثأر

الاقتصاد العالمي ... يثأر
في المكتبات

لمْ يُخطئ الكيميائي والفيلسوف أنطوان لافوازيي في مسلّمته الشهيرة "لا شيء يضيع، لا شيء يولد... بل الكلُّ يتحوّل". المسلّمة تدخلُ نطاق العولمة العلمية في المجالات الشتّى. وهي تحققت فعلاً على الصعيد الاقتصادي والمالي تحت الفضاء الكلّي للعالم...
جوانبُ النمو والانكماش ... النهضة والانهيار ... التطوّر والتدهور ... نتيجةٌ واحدة لإعادة التوازن في السلوكيات البشرية ... بعدما تأكّدت فعلاً على الصعيد الطبيعي. فكما يقود تهديمُ الطبيعة والبيئة إلى كوارث ومآسي، يقودُ الانفلاتُ الاقتصادي إلى أزماتٍ شديدة يُفلتُ بنتيجتها قيادُ السياسات من يدِ المسؤولين...
وكما أدّت الليبرالية إلى اعتماد خطة اقتصادية إثر الأزمة الاقتصادية في ثلاثينات القرن العشرين، أدّت تداعيات الليبرالية الجديدة إلى تخفيف الأعباء المالية عن المستهلكين ... وفي حالي التدهور والتحوّل الاقتصادي تتقدّم الولايات المتحدة في أخذ المبادرة. 
ففي ثلاثينات القرن العشرين، اقترح الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت خطة اقتصادية جديدة، فتوسع دورالحكومات الاقتصادي في أنحاء العالم أكثر فأكثر. وبحلول سبعينات القرن الماضي، تبيّن أن الأنظمة التي تقدم خدمات اجتماعية واسعة لمواطنيها والأنظمة ذات الاقتصادات الكبيرة التي تقوضها البيروقراطية، غير فعّالة أبدا...
 ثورة رونالد ريغان ومارغريت تاتشر سهّلت استخدام العمال وصرفهم، وتسبّبت بألمٍ كبيرٍ مع تقلُص الصناعات التقليدية أو إقفالها. لكنَّها مهَّدَتْ السبيل أيضا لنحو ثلاثة عقودٍ من النمو ولبروز قطاعاتٍ جديدةٍ مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية.
وترجمت ثورة ريغان على الصعيد العالمي، بـ "إجماع واشنطن" الذي حثَّت واشنطن بموجبه ــ ومؤسسات تقع تحتَ سيطرتِها، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ــ البلدانَ الناميةَ على تحرير اقتصاداتها. وحوّلت السياسات المماثِلة المؤيِّدة للأسواق الحرّة، الصين والهند، إلى قوَّتين اقتصاديَّتين كبيرتين.
لكنّ تحرير السلوكيات الاقتصادية أدّى إلى تراكم الديون الأُسَرِيَّةِ، وعَجْزِ العائلاتِ عن التسديد، ومن ثمّ انهيار مؤسساتِ مالٍ كبرى تسعى وراء تضخيم قِيَمِ الأصول والسندات في أسواق المال العالمية ... هذا الورم المالي يُؤدّي إلى الانهيار الكبير في 2008، بفعل الانجراف الهائل لأساسات المناعة الاقتصادية. وهو انزلاقٌ خطير إلى الهوّة، إلى القعر، قبل أن يتلمّس "حكماءُ العالم"! طريقةً جديدة إلى التسلٌّق.
"الاقتصاد العالمي... يثأر" يجمعُ مقالاتٍ اقتصادية مواكبة، معزّزة بإحصاءاتٍ دقيقة، واتجاهاتٍ و...تحذيرات. نُشرتْ بين منتصف 2007 ونهائيات 2010 في جريدة الحياة – فترةَ مسؤوليتي عن قسم الاقتصاد فيها.
... في انتظار بداية النهوض خلال 2012
                                           ميشال مرقص