الأربعاء، 24 يونيو 2020


                                                                   
عبقرية تنكة البنزين !

دخلت صفيحة البنزين منتصف الاسبوع الماضي كتاب الارقام القياسية للضرائب، وباتت تحقق لوحدها نحو 900 مليار ليرة، باعتبار أن الضريبة على صفيحة البنزين برصاص باتت أحد عشر الف ليرة بدلاً من عشرة آلاف للبنزين الخالي من الرصاص. وصار دخل الخزينة المتأتي من السيارة يفوق 1500 مليار ليرة بعد زيادة رسوم السير، فضلاً عن رسوم التسجيل والرسوم المتأتية عن قطع الغيار المستوردة والزيوت المعدنية والإطارات وكل ما له علاقة بالسيارة، مما رفع الواردات، منها الى نحو ثلثي إجمالي الواردات العامة العادية في موازنة 2002. والحكومة اعتمدت أيضاً تثبيت السعر الأعلى لصفيحة البنزين، الذي باشرت تطبيقه قبل تطبيق الموازنة الجديدة، عند حدود 18 - 19 الف ليرة شرط ألا تتعدى الزيادات التي قد تطرأ على السعر حجم الضريبة الإضافية الجديدة، وهي المرة الثانية لها بعد تثبيت سابق ما بين 10 و11 الف ليرة عام 1998. ومن المتوقع أن ينعكس ارتفاع سعر البنزين على قطاعات كثيرة في النقل، منها النقل في السيارات السياحية بعد منع استخدام المازوت، ونقل طلاب المدارس، إلا اذا استخدمت الباصات المازوت بطريقة سليمة لا تلوث البيئة، وسياحياً لناحية نقل السياح او انتقالهم، ولناحية تعزيز فرص تطوير الاصطياف الذي تراجع خلال العامين الماضيين نظراً إلى تدني دخل المواطن من جهة، وارتفاع أجور الانتقال من ناحية ثانية.
وقد يكون العبء أخف لو استطاعت وزارة الداخلية تنظيم السير على طرق لبنان لتخفيف آثار الازدحام وخصوصاً بعد الانفاق المالي الكبير على تطوير شبكة هذه الطرق، إذ ان الاختناقات التي تزيد من تلوث البيئة تكبّد المواطن زيادةً في تكلفة الانتقال لا تقل عن 35 في المئة في ساعات الاختناق وأماكنه، فضلاً عن إهدار وقته. واللافت أنه، من موازنة الى أخرى، نجد أن الحكومة تعجز عن إيجاد موارد مالية جديدة إلا من طريق توسيع قاعدة الضرائب غير المباشرة التي باتت تشكل نسبة 77 في المئة من إجمالي الضرائب. فالزيادات تطاول الرسوم الجمركية ومنها الرسوم على المحروقات، كما تطاول رسوم السير وجوازات السفر، وكلها واردات مالية غير مرتبطة بالعملية الانتاجية، إذ يفترض بتحقيق النمو أن تزداد الموارد. ولا نخال في هذا المجال أن الحكومة عاجزة عن إيجاد موارد جديدة بل هي عاجزة عن اقرارها، اذ تندرج احتمالات الموارد المالية الجديدة في الاقتراحات الآتية:
أولاً: تستبدل الحكومة خفض الفائدة الدائنة والمدينة نقطة واحدة بغية خفض خدمة الدين العام بما يزيد على 250 مليار ليرة في السنة، باقتطاع عائدات هذه النقطة على ودائع المقيمين، وذلك بشكل عام تنفذه المصارف من دون اللجوء الى اختراق السرية المصرفية، ويتحصل من ذلك ما لا 400 مليار ليرة سنوياً. يبرر هذا الاجراء أن عائدات الفوائد هي أرباح، ويجب ان تخضع، مثل أي مورد مالي آخر، لاقتطاع ضريبي للخزينة، ثم ان المودع لا يتحكم في معدل الفائدة إلا من خلال الهامش الموضوع لها، لذلك فان هذا الاجراء لا يحدث تأثيراً كبيراً وخصوصاً ان ما يدفعه المودع كان سيخسره لو تم خفض الفائدة نقطة واحدة.
ثانياً: الاملاك البحرية. تبلغ مساحة الاملاك البحرية العامة والسطح المائي لها نحو 5،7 ملايين متر مربع، يفترض أن تكون عائدات المتر المربع الواحد في حدود 50 الف ليرة سنويا كمعدل وسطي، مما يؤمن 375 مليار ليرة بدل استثمارها، وذلك من دون تحميل مستثمريها عبء التسويات المقترحة، إنما يدفعون بدل ايجار عنها من الآن فصاعداً.
 ثالثاً: حماية الاستثمار بحيث تزيد ضريبة الدخل الناتجة من زيادة الاستثمار في لبنان، ونحصر الحماية هنا في موضعين: إخضاع الواردات من المنتجات والسلع، للمواصفات والمقاييس العالمية الإلزامية في حال عدم توافر مواصفات لبنانية قياسية لها، والتحقق من سعر الواردات بواسطة مكاتب مراقبة عالمية بحيث يستوفى عنها الرسم الجمركي او الضريبة على القيمة المضافة مستقبلاً بما هو مستحق فعلاً عليها. وتتأتى من الإجراءات الهادفة الى تعزيز الاستثمار وحمايتها ومن تحقيق النمو الاقتصادي، زيادةٌ في الأرباح، وتالياً زيادة في الواردات من الضرائب على دخل المؤسسات او أرباحها والتي تشكل حالياِ نسبة 6،88 في المئة من مجموع الضريبة على الدخل. وهذا المورد يؤمن بداية ما بين 15 و20 مليار ليرة إضافية، فضلاً عن توفير فرص عمل وتأمين أجور تقتطع عنها أيضاً ضريبة الدخل، وتتعزز الحلقة الاقتصادية المشبعة من طريق زيادة الإنفاق جراء ذلك.
 رابعاً: تسييل العقارات المبنية من طريق تخصيص قروض كبيرة ولآجال تزيد على 30 سنة، فتنتج من عملية توسيع قاعدة الإقراض للسكن زيادة في المبيعات العقارية يجب أن تصل الى حدود 500 مليون دولار سنوياً، تبلغ الرسوم عليها ما بين 40 و65 مليار ليرة ترتفع تدريجاً سنة بعد أخرى. علماً أن تحريك القطاع العقاري يحسّن النمو في معظم القطاعات الاقتصادية، الإنتاجي منها والخدماتي على السواء.
خامساً: الاصلاح الوظيفي. وهو يقضي بتقريب الهامش الواسع بين الرواتب والاجور وملحقاتها، والجدوى التي ينتجها القطاع العام وزيادتها 20 في المئة على الاقل. مما يزيد الوفر بدءاً من 100 مليار ليرة بلوغا الى 520 مليارا سنوياً تقريباً...
 سادساً: الإهدار المالي في المشاريع. لا بد من العمل الجدي لوقف الإهدار المالي الحاصل في الإنفاق على المشاريع العامة، وخصوصاً مشاريع الطرق التي يتم تلزيم تنفيذ المشاريع البنيوية فيها اكثر من مرة نظراً الى انعدام التنسيق بين الادارات العامة المسؤولة عن تأمين خدمات البنى التحتية، والادارات المسؤولة والبلديات أيضاً... وهذا يوفر ما لا يقل عن   200  مليار ليرة .
سابعاً: التأمين الصحي. العمل على حصر الإنفاق الصحي والاجتماعي، وتحويل الصحي الى تأمين عام لكل مواطن لبناني، بمناقصة عالمية او بالتخصيص، على ما هو دارج. فالإنفاق على الاستشفاء في لبنان يقدر ب1600 مليار ليرة في السنة، تدفع الموازنة العامة نحو 60 في المئة منها (وزارة الصحة العامة ووزارة الدفاع وتعاونية موظفي الدولة) ويدفع البقية المواطنون والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وشركات التأمين الخاصة وصناديق التعاضد. ويمكن حصر الانفاق على الاستشفاء لدى شركات التأمين بمعدل 200 دولار للفرد، او ما يمثل في الاجمال 1200 مليار ليرة سنوياً يشترك في دفعها القطاعان العام والخاص بتحويل الأموال المرصودة للاستشفاء لدى وزارتي الصحة والدفاع وتعاونية موظفي الدولة وشركات التأمين وصناديق التعاضد... الى شركات التأمين التي ترسو المناقصة عليها. ولا تتعدى حصة الدولة المبالغ التي ترصدها في الموازنات للاستشفاء على حساب وزارة الصحة، فيتم توفير مبلغ 50 مليار ليرة على الاقل. ولا يدفع القطاع الخاص أموالاً إضافية عما يدفعه الى الصندوق الوطني للضمان الصحي او الى شركات التأمين الخاصة او الى صناديق التعاضد.
 ثامناً: وضع ضريبة على الأرباح المحققة من بيع الاسهم والسندات ومنها سندات الخزينة. فلماذا يدفع على انتقال العقارات ضريبة على القيمة كاملة، وأحياناً على تقدير القيمة، ولا يدفع على الاسهم والسندات، علماً ان الأموال المنقولة وغير المنقولة تعتبر من الثروة؟
 قد يكون تعداد إمكانات إيجاد موارد جديدة طويلاً، ويمكن "العبقرية المالية" ان تبتكر نشاطات اقتصادية تحقق الموارد، إلا عندنا في لبنان حيث عبقرية تنكة البنزين تختصر الابتكارات!
النهار 19 / 09 / 2001

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق