السبت، 19 مارس 2022

من هو القدّيس يوسف؟

 

 هر آذار تكريم القديس يوسف

من هو القدّيس يوسف؟



1 -  الرجل البارّ

يوسف هو الرجل البار، الذي وهبه الله زوجًا للسيدة العذراء مريم، والدة يسوع. كان الخادم الأمين والحصيف الذي أوكله الله إلى العائلة المقدسة. شاهد القديس يوسف كأب لابن الله الوحيد، ربَّنا يسوع المسيح، الذي حُبل به بقوة الروح القدس.

 

بحسب الخطة الإلهية، كان يُفترض أن يولد المسيح من عذراء. لكن الكلمة أصبحت جسدًا. وكانت أمه مريم الشابة، تحتاجُ إلى حامي، يحل محل الأب الأرضي، وصيًّ مخلص ومخلّصٍ يحيطهم بمودة ، ويساندهم ويدعمهم. كان على يوسف أن يمنح يسوع أهليته العائليّة، ليندمج في المجتمع...

يعني إسم يوسف الله يمنح ويضاعف، الله يزيد

هو ابن يعقوب (متى 1 :16) أو عالي (لوقا 3 :23) من عائلة داود (متى 1 :20؛ لوقا 3 :23يوحنّا). كان يمارس مهنة النجارة (متى 13 :55). وحين بشارة الملاك لمريم كان يوسف خطّيبُها (متى 1 :18؛ لوقا 1 :27). لعب دورًا مهمًّا في إنجيل الطفولة. لايذكر اسمه في الانجيل بالمعنى الحصري. يُسمى يسوع ابن النجار (مرقس 6 :3 حيث يسوع هو نفسه النجار).

 

 

 

 

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

2 -  اختاره الله

ارتقى يوسف إلى قداسة مرموقة. اختاره الله بدعوةٍ سرّية، ومنح هذا الشخص المختار، النعم الضرورية له لإنجاز المهمة التي اختير من أجلها. وكلما ازدادت صعوبة المهمة، ازداد مقدار النعم الإلهية. هذا ما يفسر ذروة الكمال التي نشأ عليها يوسف. فهو يُتمم يوسف حرفيًا الكلمات التي كان على يسوع أن ينطق بها ذات يوم: "كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل" (متى 5:48).يوسف هو رجل مشيئة الله. الإيمان والطاعة فضيلتان تشرقان في روحه، كما في روح مريم، وبذكاء شديد. برز إيمانه وطاعته، عندما قال له الملاك بألا يخاف من أن يأخذ مريم زوجته إلى بيته (متى 1 ، 20 - 24). عندما أيقظه الملاك ليلًا وأسرَّ له أمرًا بأن يهربَ إلى مصرمن دون تأخير(متى 2/13 -15) وبعد ذهابهم (المجوس) ظهر ملاك الرب، في الحلم إلى يوسف وقال له:"قم وخذ معك الصبيّ وأمّه واهرب إلى مصر وابقَ هناكَ إلى أن اقول لكّ. لأنّ هيرودس يبحثُ عن الصبيّ ليقضي على حياته. فقام يوسف وأخذ الصبيّ وأمّه مريم وذهب إلى مصر كما اوحى له الملاك.

وبقي هناك حتى وفاة هيرودس، لكي تتحقق وصية الرب النبوية هذه: "من مصر دعوت ابني". ولاحقًا، أمره الملاك بالعودة مرة أخرى إلى فلسطين (متى 2 ، 19 - 21): "عندما توفّي هيرودس، إذا ملاك الرب قد ظهر يفكر في يوسف في مصر وقال له:" قم ، خذ الطفل وأمه معك، و انزل إلى أرض إسرائيل، فالذين أرادوا قتل الصبيّ ماتوا.

يتصرّف القديس يوسف مع الله كأنه طفل مندون أن يتذمر. يوسف هو رجل عادل وكريم، ومستعد لجميع الذبائح ، ويتخلى فورًا عن نصيحة الفطنة البشرية ، ليطيع أوامر الله على الفور. بالنسبة ليوسف ، تأتي خدمة الله أولاً وتهيمن على كل شيء. إنه يُخضع حياته كلها للسرور الإلهي.

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

3 -   أبٌ محبوب

ممّا يقوله القدّيس البابا بوحنّا بولس الثاني في يوسف/ تَكمُن عظمةُ القدّيس يوسف في حقيقةِ أنّه كان خطّيبَ مريم وأبا ليسوع، "وضع نفسه في خدمة التدبير الخلاصي بأكمله"، كما يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم.

يلاحظ القدّيس البابا بولس السادس أن أبوّته تظهر في شكل ملموس "حين يجعل حياته خدمةً وتضحيةً من أجل سرّ التجسّد ورسالة للفداء التي يتضمّنها، وحين يستخدم السلطةَ المشروعة التي كان يملكها على العائلة المقدّسة، من أجل أن يقدّم لها ذاته وحياته وعمله كلّها، وحين يحوّل دعوته البشريّة لحبّ عائليّ، إلى تضحيةٍ سامية لذاته ولقلبه ولكلّ ما يملك من قدرة على الحبّ ويضعها في خدمة المسيح الذي نما في بيته"

إن القدّيس يوسف، بفضل دوره هذا في تاريخ الخلاص، كان أبًا محبوبًا على الدوام من قِبَلِ الشعب المسيحيّ، والدليل وجود الكنائس المكرّسة له في جميع أنحاء العالم، وأن العديد من المؤسّسات الرهبانية، والأخويّات والجماعات الكنسية تستلهم روحانيّته وتحمل اسمه، وأن أعمالًا تقويّة مقدّسة مختلفة قد خُصِّصَت لإكرام شخصه لعدّة قرون. وكان يكرّمه بشغف العديدُ من القدّيسين والقدّيسات، ومنهم تيريزا الأفيليّة التي تَبَنّتْه حاميًا وشفيعًا، وغالبًا ما طلبت شفاعته، ونالت كلّ النعم التي طلبتها منه. وقد شجّعتها خبرتها الخاصّة هذه فأقنعت الآخرين بالتعبّد له.

يشكّل القدّيس يوسف المفصلَ الذي يجمع بين العهدين القديم والجديد، لأنه من نسل داود ( متى 1، 16. 20)، الذي كان على يسوع أن يبزغ من جذوره وفقًا للوعد الذي قطعه الله لداود على لسان النبيّ ناثان ( 2 صم 7)، وأيضًا بصفته خطّيب مريم، عذراء الناصرة.

 

 

 

 

 

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

4 - يوسف الأب الرؤوف والمطيع لله

رأى يوسفُ يسوعَ ينمو "في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس" (لو 2، 52). وهكما يقول البابا يوحنّا بولس 2 درّجَ يسوع وحَمَله على ذِراعه [...] وكُان لَه كمَن يَرفَعُ الرَّضيعَ إِلى وَجنَتَيه وينحَنَى علَيه ويُطعَمه (را. هو 11، 3– 4). ورأى يسوعُ في يوسف رأفة الآب: "كما يَرأَفُ الأَبُ ببَنيه يَرأَفُ الرَّبُّ بِمَن يَتَّقونَه" (مز 103، 3).

تمرّ إرادةُ الله وتاريخه ومشروعه من خلال قلق يوسف أيضًا. ويعلّمنا يوسف بهذه الطريقة أن ثقتنا بالله تشمل أيضًا الإيمان بأنه قادر على العمل حتى من خلال مخاوفنا وضعفنا. ويعلّمنا بأنه يجب ألّا نخاف من أن نسلّم "دفّة قاربنا" إلى الله في خضمّ عواصف الحياة. إننا نرغب أحيانًا في السيطرة على كلّ شيء، لكن نظرة الله هي دائمًا أكبر من نظرتنا.  

 وعلى غرار ما فعله الله مع مريم، عندما أظهر لها تدبيره الخلاصيّ، كذلك كشف عن تدبيره ليوسف من خلال الأحلام، التي كانت تُعتَبَر في الكتاب المقدّس، كما ولدى جميع الشعوب القديمة، إحدى الوسائل التي يُظهِر الله بها مشيئته.

شعر يوسف بحزن شديد إزاء حمل مريم المُستَعصي الفهم: فهو لم "يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها" بل قرّر "أن يُطلِّقَها سِرًّا" (متى 1، 19). فساعده الملاك في الحلم الأوّل على حلّ معضلة خطيرة: "لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1، 20- 21). وكانت إجابته فوريّة: "لمَّا قامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوم، فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ" (متى 1، 24). تغلّب على مأساته عبر الطاعة، وأنقذ مريم.

طَلَب الله من يوسف في حلمه الثاني أن يترك أرضه: "قُم فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه واهرُبْ إِلى مِصْر وأَقِمْ هُناكَ حَتَّى أُعْلِمَك، لأَنَّ هيرودُسَ سَيَبْحَثُ عنِ الطِّفلِ لِيُهلِكَه" (متى 2، 13). فلم يتردّد يوسف في الانصياع، دون أن يطرح أسئلة حول الصعوبات التي قد يواجهها: "قامَ فأَخَذَ الطِّفْلَ وأُمَّه لَيلاً ولَجَأَ إِلى مِصر. فأَقامَ هُناكَ إِلى وَفاةِ هيرودُس" (متى 2، 14- 15).

وفي مصر انتظر يوسفُ العلامةَ الموعودة من الملاك، بثقة وصبر، حتى يعود إلى وطنه. وما إن أمره المُرسَل الإلهيّ في حلمه الثالث بأن ينهض ويأخذ الطفل وأمّه معه ويعود إلى أرض إسرائيل، بعد أن أبلغه بموت الذين كانوا يحاولون قتل الطفل، ( متى 2، 19- 20)، حتى أطاع مجدّدًا ومن دون تردّد: "قامَ فأَخذَ الطِّفْلَ وأُمَّه ودَخَلَ أَرضَ إِسرائيل" (متى 2، 21).

ولكن خلال رحلة العودة: "سَمِعَ أَنَّ أَرخِلاَّوُس خلَفَ أَباهُ هيرودُسَ على اليَهودِيَّة، فخافَ أَن يَذهَبَ إِليها. فأُوحِيَ إِليه في الحُلم [وهذه المرّة الرابعة التي يحلم فيها]، فلجَأَ إِلى ناحِيَةِ الجَليل. وجاءَ مَدينةً يُقالُ لها النَّاصِرة فسَكنَ فيها، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ الأَنبِياء: إِنَّه يُدعى ناصِريّاً" (متى 2، 22- 23).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

6  -  ظلّ الآب السماوي

يقولُ القديس البابا يوحنّا بولس الثاني عن يوسف يروى الكاتب البولندي يان دوبراشينسكي حياةَ القدّيس يوسف بشكل رواية في كتابه "ظلّ الآب. استخدم صورة الظلّ الموحية ليصوّر يوسف، الذي هو ظلّ الآب السماوي على الأرض بالنسبة ليسوع: يحرسه ويحميه، ولا ينفصل عنه أبدًا ليتبع خطاه.

إنّ الآباء لا يولدون آباء، بل يصبحون آباء. ولا يصبح المرء أبًا لمجرّد أنّه وُلِدَ له ابنٌ، بل لأنّه يعتني به بمسؤوليّة. وفي كلّ مرّة يتحمّل شخصٌ ما مسؤوليّة حياة شخص آخر، فإنّه بطريقة ما يمارس الأبوّة تجاهه.

والأبناء في مجتمع زمننا الحاضر، غالبًا ما يبدون أيتامَ الأب. والكنيسةُ هي تحتاج إلى آباء.

أن يكون المرء أبًا يعني أن يقود الابن في تجربة الحياة، أي في الواقع. وهذا لا يعني كَبحه أو سَجنه أو امتِلاكه بل جَعله قادرًا على الاختيار، والحرّية، والانطلاق. ولهذا السبب ربّما قد أضاف التقليد إلى صفةِ الأب التي مُنِحَت ليسوف صفةَ "العفيف". وهذا ليس مجرّد مؤشّر عاطفي، إنما مُلَخّص تصرّف يعبّر عن عدم الامتلاك. العفّة هي التحرّر من التملّك في جميع مجالات الحياة. وحده الحبّ العفيف هو الحبّ الحقيقي. لأن الحبّ الذي يريد امتلاك الآخر يصبح دومًا خطيرًا في النهاية، ويسجن الآخر ويخنقه، ويجعله غير سعيدًا. أمّا الله فقد أحبّ الإنسانَ بمحبّة عفيفة، وتركه حرًّا حتى في ارتكاب الأخطاء وفي الوقوف ضدّه.

لا تكمنُ سعادةُ يوسف في منطق التضحية بالذات، بل في منطق هبة الذات. ولا نلاحظ في هذا الرجل أبدًا أيّ إحباط، بل ثقة وحسب. أمّا صمته الدائم فلا يشير إلى الاستياء بل إلى عمل ثقةٍ ملموس على الدوام.

عرف يوسف أن ذلك الابن ليس ابنه، إنما عُهِدَ به إليه ليرعاه. وهذا ما اقترحه يسوع بشكل أساس عندما قال: "لا تَدْعوا أَحدًا أَبًا لَكم في الأَرض، لأَنَّ لَكم أَبًا واحدًا هو الآبُ السَّماويّ" (متى 23، 9). 

في كلّ مرّة نمارس فيها الأبوّة، يجب أن نتذكّر دائمًا أنها ليست استملاكًا، بل "علامة" تشير إلى أبوّة أسمى. بمعنى ما، نحن جميعًا دائمًا في مقام يوسف: إننا ظلّ الآب السماوي الأوحد، الذي "يُطلِعُ شَمْسَه على الأَشرارِ والأَخيار، ويُنزِلُ المَطَرَ على الأَبرارِ والفُجَّار" (متى 5، 45)؛ وظلّ يتبع الابن.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

7 - مار يوسف في بيته 

  من مقال للأبوين أنطوان الدويهيّ وبولس الفغاليّ  

تألَّفت العائلة المقدَّسة من ثلاثة أشخاص: ابن الله، أمّ الله، ويوسف زوج الواحدة كما عُرف أنَّه أبو الآخر. كان فقرُهم كبيرًا: لم يكن لهم سوى الضروريّ، وربَّما كان ينقصهم أحيانًا. ولكنَّهم كانوا راضين. يباركون الله وما يطلبون شيئًا بالإضافة. وكانوا يعيشون في الخفاء، وغير معروفين في العالم، ولا رغبة عندهم بأن يُعرِّفوا بأنفسهم. ما كانوا يعرفون في الناصرة ما كان يسوع حسب الطبيعة الإلهيَّة، ولا ما كانت مريم أمام الله كرامةُ مريم، كما كانوا لا يعرفون أنَّها كانت أمًّا ولبثت عذراء. كانوا يُعتبَرون، بلا شكّ، أناسًا أتقياء ومحافظين أمناء على الشريعة. وكان سلوكهم يبني القريب. غير أنَّ تقواهم لم تمتلك شيئًا بحيث يتميَّزون عن الناس العاديّين. ما كان يظهر شيء إلى الخارج ممّا كانوا في الداخل. ما كانوا يتركون أحدًا يستشفّ سرَّ الله. وسوف نرى بعد ذلك، في الإنجيل، أنَّ أقرب أقرباء مريم ويسوع ما كانوا ليظنُّوا شيئًا من السرّ الكبير، سرّ الكلمة المتجسّد.

أيُّ سلام! أيُّ صمت! أيُّ اتّحاد في هذه العائلة المقدَّسة! أيُّ حوار داخليّ، متواصل، بين يسوع ومريم، بين مريم ويوسف! كان يسوع ينبوع للنعم، وكان يسكبها على الدوام وبوفرة في قلب أمّه مريم فكانت تُشرك يوسفَ بجزء من هذه الوفرة. وهكذا دون كلام الفم بين الواحد والآخر، كانوا يتكلَّمون على الدوام.

 

 

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

8 – يوسف ومريم 

من مقال للأبوين أنطوان الدويهيّ وبولس الفغاليّ  

 

يوسف ومريم هما معًا. ما من أحد شكَّ في أنَّها "زوجته" وأنَّه "زوجها" كلاهما مسؤولان عن يسوع. وبدا واضح جدًّا حين كان يسوع ابن اثنتي عشرة سنة. أضاعاه. لعب الاهتمام بصليبهما: أين هو؟ أين يمكن أن يكون؟ كان بإمكان يوسف أن يقول لمريم: "اذهبي وابحثي عنه وأنا أنتظرك هنا". أو: "والحقي بنا". عاد الاثنان. وتكلَّمت أمُّه: "يا بُنَي، لماذا فعلتَ بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين" (لو 2: 48). ويتواصل الكلام: "فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما. ثمَّ نزل معهما وجاء إلى الناصرة، وكان خاضعًا لهما" (آ50-51).

هي دومًا صيغة المثنَّى. فمريم هي مع يوسف. ويوسف مع مريم. سرٌّ عميق يجمعهما. الاثنان تألَّما. الاثنان تساءلا. الاثنان طلبا، وهو يطيع الاثنين، يطيع الأمّ كما الأب.

وحين كان الطفل ابن أربعين يومًا، راحوا معًا. الوالدان وربَّما الأهل والأقارب. معًا صعدوا إلى الهيكل، ومعًا عادوا بالطفل بعد أن تمَّموا الوصيَّة المفروضة على كلِّ ولد بكر، سواء كان ذكرًا أو أنثى. قدَّم الوالدان زوجي يمام أو فرخَي حمام. وقال القدّيس لوقا: "وكان يوسف وأمُّه يتعجَّبان ممّا قيل لهما" (لو 2: 33)، بفم سمعان الشيخ بانتظار حنَّة النبيَّة. يفرحان معًا ويحزنان معًا. حقًّا، هي عائلة مقدَّسة.

ومعًا ذهبا إلى بيت لحم، مع أنَّه لم تكن حاجة إلى أن تذهب مريم. فالاكتتاب يعني الرجال، لا النساء ولا الأطفال. ومع ذلك "صعد يوسف من الجليل... ليكتتب مع مريم أمرأته المخطوبة وهي حبلى" (لو 2: 4-5). كان بالإمكان أن تتهرَّب مريم بسبب الحبل. كلاّ، بل رافقت يوسف وفي بيت لحم وضعت ابنها. فقمَّطته وأضجعته في المذود" (آ7). ونظر يوسف إلى "ابنه" في هذا الفقر المدقع. لا شكَّ في أنَّ مريم كانت أعدَّت للطفل بعض اللباس. ولكن، مع الانطلاق إلى بيت لحم، أخذا القليل القليل من أجل ابنهما.

مسيرة بدأت في البشارة مع "عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف".  احترام متبادل. احترام تامّ. ثمّ يغيبُ يوسف فما ذكره الإنجيل من بعد ذلك.

 

 

 

 

 

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

9– يوسف ومريم 

يوسف مستودع الله

هو مستودع للغموض "مخفي عن قرون في الله" يبدأ في إدراكه عندما يأتي "ملء الزمن"، يوسف مع مريم، في ليلة بيت لحم، الشاهدة المميزة لميلاد العالم ابن الله. هكذا يقول القديس لوقا: "وحدث، كما كانوا هناك، أن الأيام قد تحققت حيث كانت ستلد. أنجبت ابنها البكر، ولفّته بملابس قاتمة، ووضعته في مذود، لأنه لم يكن هناك مكان"( لو 2 ، 6-7). كان يوسف شاهدًا على هذه الولادة. حدثت في ظروف مهينة إنسانيًا، أول إعلان عن "تجريد" أي فقر( فيل 2: 5-8) يوافق عليه يسوع بحرية لمغفرة الخطايا. في الوقت ذاته، شهد حب الرعاة الذين وصلوا إلى مكان ولادة يسوع بعد أن أحضرهم الملاك هذا الخبر العظيم والسعيد ( لو 2 ، 15-16)؛ ولاجقًا، يشهد تكريم المجوس الآتين من الشرق، ليسوع . 

وكان ختان الابن أول واجب ديني للأب: من خلال هذه الطقوس (راجع لوقا ٢: ٢١ )، يمارس يوسف حقه وواجبه تجاه يسوع. من مبدأ أن جميع طقوس العهد القديم ليست سوى ظل الواقع ( عبرانيين9:9-10 ، 10 ، 1) يوضح الرسول بولس لماذا يقبلها يسوع. 

وبمناسبة الختان، يمنح يوسف الطفل اسم يسوع. وهو الاسم الوحيد الذي وجد فيه الخلاص (راجع أعمال الرسل ٤: ١٢ ) ؛ وأوحي به ليوسف في وقت "البشارة": "يجب أن تعطيه اسم يسوع، لأنه سيخلص الناس من خطاياهم" ( متى 1: 21). بإعطائه اسمه، يُظهر يوسف أبوه الشرعي ليسوع، ويعلن في هذا الاسم عن رسالة المنقذ التي هي مهمة الطفل.

 هذه الطقوس ، التي أبلغ عنها لوقا (2 ، 22 وما يليها) ، تشمل الخلاص من المولد الأول وتضيء حلقة مستقبل يسوع المتبقية في الهيكل في سن الثانية عشرة. 

 

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

10 - الرجل المناسب

خلال حياته، بقي يوسف، مثل مريم، وفيا لدعوة الله إلى النهاية. كما يقول البابا القديس يوحنّا بولس2. تألّفت حياة مريم في تنفيذ أول أمر معلن في البشارة. بينما يوسف، لم ينطق بكلمة في وقت "إعلانه": "لقد فعل" ببساطة "ما أمره ملاك الرب "(مت 1: 24).وهذا أول "فعل" يُصبح بداية "طريقة يوسف". على طول هذا المسار. لا تذكر الأناجيل أي كلمات نطق بها. لكن صمت يوسف له أهمية خاصة: بفضله، يمكن للمرء أن يدرك تمامًا الحقيقة الواردة في الحكم الذي ينطقه الإنجيل على يوسف: "العادل" (متي 1 ، 19). يجب على المرء أن يعرف كيفية قراءة هذه الحقيقة لأنها تحتوي على واحدة من أهم الشهادات حول الرجل ودعوته. على مر الأجيال ، قرأت الكنيسة هذه الشهادة بطريقة أكثر انتباهاً ووعيًا، كما لو كانت مستمدة من كنز هذه الإشارة "الجديدة والقديمة" (متى 13: 52). 18. الرجل الناصع "الصالح" له قبل كل شيء الخصائص الواضحة للزوج. يتحدث المبشر عن مريم بأنها "فتاة صغيرة تتزوج من رجل يدعى جوزيف" (لوقا 1 ، 27). قبل أن يبدأ "الغموض الخفي لقرون في الله" في الإيفاء (أفسس 3: 9) ، تقدم الأناجيل إلى أعيننا صورة العريس والعروس. وفقًا لعادات الشعب العبري ، تم الزواج على مرحلتين: أولاً ، تم الاحتفال بالزواج القانوني (الزواج الحقيقي)، ولم يأت الزوج إلا بعد فترة زمنية معينة. قبل أن تعيش مع مريم، كان يوسف بالفعل "زوجها"؛ ومع ذلك، حافظت مريم عميقا داخل نفسها على الرغبة في صون نفسها حصرا لله هبة الذات الكاملة. (يتبع)

 

 

 

 

 

 

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

11 - الرجل المناسب - 2

 قد يتساءل المرء كيف تم التوفيق بين رغبة مريم مع "الزواج". الجواب يأتي فقط من الكشف عن أحداث الخلاص، أي من عمل خاص من الله نفسه.  إنّ الأمومة من خلال حقيقة الروح القدس هي الهدية التي يتوقعها الله نفسه من العذراء "الممنوحة في الزواج" ليوسف. . يتم تضمين هذه الحقيقة أنها "منحت في الزواج" من يوسف في خطة الله الخاصة. يُشيرُ إلى ذلك الإنجليّان متّى ولوقا. فالكلمات الموجهة إلى يوسف مهمّة جدًا: "لا تخف من أن تأخذ مريم، زوجتك، إلى بيتك: فالمولود منها هو من الروح القدس. (متى 1: 20) يشرحان سر زوجة يوسف، مريم تحملُ في أحشائها إبن العليّ وهي عذراء. والملاك يخاطبُ يوسف كعروس لمريم من الناصرة. إن من أُنجزت فيه حقيقة الروح القدس، يعبّر في الوقت ذاته عن تأكيد خاص للرابطة الزوجية التي كانت قائمة بالفعل بين يوسف ومريم. يقول الملاك  ليوسف بوضوح: "لا تخف من اصطحاب مريم، زوجتك، إلى البيت. وهكذا ، فإن ما حدث من قبل - زواجه من مريم - كان يتم بمشيئة الله وبالتالي كان لا بد من الحفاظ عليه. ومريم كأمٍ إلهيّة، يجب أن تستمر في العيش "كزوجة عذراء" (لوقا 1 ، 27). 

 على حد تعبير "البشارة" الليلي، لا يسمع يوسف الحقيقة الإلهية عن حال زوجته وسمعتها فحسب، بل يسمع أيضًا الحقيقة حول سمعته. فهو الرجل "العادل"، أحب روح العذراء مريم، أحبّها بمحبة زوجية.  وبموجب هذا الحبّ، "فعل يوسف ما أمره به ملاك الرب: فأخذ زوجته إلى المنزل" ...

 

 

 

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

12 – يوسف البتول والبتوليّة

من مقال للأبوين أنطوان الدويهيّ وبولس الفغاليّ  

قراءة من إنجيل لوقا (1: 26-27) "وفي الشهرِ السادس، أُرسلَ جبرائيلُ الملاك من لدُنِ الله إلى الجليل، إلى المدينةِ التي اسمُها الناصرة /لدى بتولٍ مَخطوبةٍ لرجلٍ اسمُه يوسف من بيتِ داود، واسمُ البتولِ مريم".

مريم هي "عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف" (لو 1: 27). وعاد الإنجيليّ إلى القول: "واسم العذراء مريم." جاء إليها الملاك: "وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع" (آ30). فأجابت مريم: أنا عذراء، لا أعرف ولا أريد أن أعرف رجلاً. أنا مكرَّسة للربّ نفسًا وجسدًا. فكيف تريدني أن أكون أمًّا؟ هذا مستحيل في نظر البشر. العلاقات الزوجيَّة ضروريَّة في هذا المجال. فكيف تريدني أن أعمل؟ لا تخافي، يا مريم. تكونين أمًّا وبتولاً. تحافظين على بتوليَّتك قبل الولادة كما بعدها.

لا فرق بين يوسف ومريم. إن هي بتولة فهو بتول. وذلك في كلمة بسيطة أوردها الإنجيليّ: "لم يعرفها" (متى 1: 25). هي معرفة الزواج. نترك الناس "المعقّدين" أو أصحاب النوايا السيّئة. هو لم يعرفها قبل ولادة يسوع. ولكنَّه سيعرفها فيما بعد. ويتفلسفون في شرح أداة "حتَّى". كم نحن مساكين. وكم نُنزل السماء على الأرض، لأنَّنا لا نريد أن نرتفع إلى السماء مع أنَّ المزمور قال لنا: "أنتم آلهة وبنو العليّ كلُّكم". لماذا الشرح؟ لماذا الكلام؟

البتوليَّة هي تكريس تامّ وعطاء للربّ. هكذا مريم وهكذا يوسف. إذا أرادت مريم أن تكون "العروس" التي تنظر إلى ابنها العريس السماويّ، فيوسف أيضًا هو مثلها. ها هنا تتأسَّس الكنيسة التي هي عروس يسوع المسيح: "أحبّها، وضحَّى بنفسه لأجلها ليقدّسها" (أفسس 5: 25-26). مع مريم ويوسف، بدأت الكنيسة تسير للقاء الربّ. لا شكَّ في أنَّ هذا الطفل قد يكون موضوع تأمُّل بشريّ، ولكنَّ يوسف ومريم يسيران مع يسوع الذي يرفعهما إلى ذروة القداسة. فالبتوليَّة على الأرض هي صورة مسبقة من السماء حيث "لا يزوّجون ولا يتزوّجون، بل يكونون مثل الملائكة" (متى 22: 30). وهكذا انطلق البتولون والبتولات في عالم يعجُّ بالبحث عن النزوات والشهوات، فيطلب منهم أن يكونوا كالنيّرات (فل 2: 15).

ها هو يوسف. وها هي مريم. والرسول يتحدَّث عن يسوع الذي لا يريد لكنيسته "أيَّ شائبة وأي نقص، بل قداسة بلا عيب" (أفسس 5: 27-28). وهو يذكّرنا اليوم وكلَّ يوم، بأن نحذر من أن يكون النور الذي فينا ظلامًا (لو 11: 35).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

13 - يوسف البتول

ميشال مرقص

 

يُحاول كُثرٌ أنْ يُشوّهوا حقيقة طهر القديس يوسف وبتوليّته، سواء بتحويل رسوم الأيقونات إلى تقاربٌ جسديّ ما بين مريم ويوسف، أو بالإدعاء أنّ ليسوع أخوة، والبعض يدافع عن عدم العلاقة بكون يوسف تزوّج من مريم بعمر 92 سنة وتاليَا لم يعد يرغب في علاقاتٍ جسديّة. وفي الحالات جميعها جاءت الدفوعات دون مستوى الإثبات.

فقياسًا إلى المنطق الإستنتاجي، أبدأ من عُمر يوسف لدى زواجه من مريم العذراء.

أولًا: ليس بالضرورة أنْ يكون المرءُ قد تقدّمَ به العُمرُ ليكون بتولًا وطاهرًا من دنسٍ أو من علاقةٍ بامرأة ولو شرعًا... قدّيسون كثيرون عاشوا ببتوليّةٍ نقيّة منهم سمعان العمودي ... وشربل مخلوف ... ومنهم من لم يخضع لإغراءات إبليس الذي كان يظهر لهم بصور نساء مغريات... وفي التاريخ شواهد كثيرة على الطهارة ما بين القدّيسات والقدّيسين...

ثانيًا: لا يُمكن لشخصٍ بعمرِ 92 سنة أنْ يذهب مشيًا إلى مصر ويستمرّ يتنقّلُ فيها ثلاثة أعوام... وأحيانًا تنقلات سريعة ليس بين المحطّة والأخري سوى أيّام/ باستثناء عندما مكثت العائلة في مكانٍ واحدٍ 6 شهور/ بخاصّةٍ أنّ على يوسف أن يعمل ليؤمّن عيش العائلة/ وأنّ الإستضافة كانت متعثّرة... ويوسف يعود بعمر 95 إلى الناصرة حيثُ يُتابع عمله في النجّارة...

ثالثًا: تقع مدينة الناصرة شمال مدينة أورشليم بنحو 110 كيلومترات/ كان يقطعها يوسف ومريم مرّةً في السنة لزيارة هيكل أورشليم... وعندما بلغ يسوع 12 سنة من عُمره/ يُفترض أن يكون يوسف قد بلغ 104 سنوات/ ةبقي هو ومريم يبحثان لمدّة ثلاثة أيّام عن يسوع بعد أنْ أضاعاه/ فضلًا عن أنّهما كانا اجتازا 110 كيلومترات في ذهابهما إلى أورشليم قبل أنْ يعودا! فهل من منطق يتقبّل هذا الواقع؟ (يتبع)

 

 

 

 

 

 

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

14 - يوسف البتول

ميشال مرقص

أخوة يسوع

 

"بل إذهبي إلى أخوتي، فقولي لهم إني صاعدٌ إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20: 17

يتوجه بولس الرسول في رسائله، بعبارة "يا أخوتي" أو "أيها الأخوة"، وهي الغالبة في مُتونِ تلك الرسائل أو نصوصها أو نهايتها، وهي رسائل إلى أهل فيليبي، تسالونيكي، روما، كورنتوس وأفسس، ويردّد العبارة:"  أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي افْرَحُوا فِي الرَّبِّ" (فيليبي 3: 1)، أو:" إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ وَالْمُشْتَاقَ إِلَيْهِمْ" (فيليبي 4: 1)، " أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ"، (أفسس 6: 10)، "لأني اخبرت عنكم يا اخوتي " (كورنتوس الأولى 1: 11)، وكَذلِك أَنتُم يا إِخوَتي، (روما 7: 4)، وغيرها وغيرها من الآيات المتضمّنة عبارات الأخوّة... فالرسائل وجّهها بولس، وغيرُه من الرسل إلى الأخوة المؤمنين، لذلك عندما يُقرأُ منها في الطقوس الليتورجية، تبدأ قراءَتها بعبارة "يا أخوتي".

هذه العبارة، تعني الأخوة المؤمنين، هم أخوة في إيمانٍ واحدٍ...

من هذا المفهوم الإيماني، تنتشر الأخوّة الروحيّة، وأكثرُ انتشارها في ما بين الرهبان في الأديار.

كما تستخدمُ جمعياتٌ سريّة عبارة "أخوة" بمثابة أخوّة المبادئ، تجمعُ في ما بين الأعضاء.

وقد عُرفتْ في العصرين اليوناني والروماني وفي ما بين اليهود أنفسهم، وفي مصر (عهد يسوع)، جمعياتٌ سريّة عديدة يتنادى أعضاؤها بالأخوّة.

ويلتقي اثنانِ على ودٍّ فيتآخيان، وكذلك الكثرة...

غير أنَّ مشكّكين في رسالة يسوع، وكونه ابن الله، يريدونَ الإمعانِ في تشويه تلك الرسالة، وفي شخص يسوع، ويفسرون ما ورد في الإنجيل، عن أخوةٍ ليسوع، ويؤكدون أنّ له أخوة، ويهدفون إلى أنّ العذراء مريم، لم تعد بتولاً، ولا هي منزّهة من الخطيئة ومن الدنس! بل عرفت رجلا بعد ولادتها يسوع!

والواقع أنّ هؤلاء، يُضلّون أنفسهم أولاً، وضعيفي النفوس ثانيًا، ويزيدون من جهالةِ من يرفض الدين المسيحي وتعاليم يسوع.

يورد معجم اللاهوت الكتابي، في مقدمته عن معاني كلمة أخ:" إن لفظ "أخ" يدل، في أقوى معانيه، على الأشخاص المنحدرين من أم واحدة (تكوين 4: 2). ولكن في العبرانية وفي العديد من اللغات الأخرى، ينطبق هذا اللفظ على أعضاء الأسرة نفسها (تكوين 13: 8، أحبار 10: 4، راجع مرقس 6: 3)، أو على أعضاء القبيلة نفسها (2 ملوك 19: 13)، أو حتى على أعضاء الشعب نفسه (تثنية 25: 3، قضاة 1: 3) تمييزاً لهم عن الغرباء (تثنية 1: 16، 15: 2- 3)، وهو يشير أخيراً إلى الشعوب المنحدرة من الجدّ الأصلي نفسه، مثل آدوم وإسرائيل (تثنية 2: 4، عاموس 1: 11). وبجانب هذه الأخوّة القائمة على الجسد، يشير الكتاب إلى أخوّة أخرى ذات طابع روحي، هي أخوّة الإيمان (2: 29)، في التعاطف (2 صموئيل 1: 26)، في الوظيفة المتماثلة (2 أيام 31: 15، 2 ملوك 9: 2)، في العهد المعقود (عاموس 1: 9، 1 ملوك 20: 32، 1 مكابيين 12: 10). وهذا الاستعمال المجازي للكلمة يدل على أن الأخوّة الإنسانية هي كاختيار حياتي، لا تقتصر فقط على القرابة الدموية، ورغم أن هذه الأخيرة تشكّل دعامتها الطبيعية. فالوحي لا ينطلق من تفكير فلسفي، بأن كل البشر أخوة بالطبيعة. ليس معنى ذلك أن الكتاب المقدس يستبعد المثل الأعلى في الأخوّة الشاملة، ولكنه يعلم أنه غير قابل للتحقيق ويعدّ السعي إليه مخيِّبًا للأمل، ما دام لا يبحث عنه، من خلال المسيح. ومن جهة أخرى، هذا المثل الأعلى هو ما يستهدفه العهد القديم ويحاول تحقيقه، خلال جماعات أخوية محلّية مؤسسة على العنصر أو الدم أو الدين. وهو في النهاية الهدف نفسه الذي يشرع العهد الجديد في تحقيقه خلال جماعة الكنيسة".

 

 

 

 

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

15 - يوسف البتول

ميشال مرقص –

عُمرُ يوسف وقت خطبته مريم

الإدعاء بتقدّم يوسف في العمر، حفظًا على طهارة مريم، هو احتقارُ للروح القدس ولمريم العذراء وليوسف في الوقت ذاته...

إنّ الروح القدس، روح العليّ، روحَ الله لا يحلُّ إلًا حيثُ الطهارة والنقاء والنفوس البريئة الشفّافة المأخذوة بحبِّ الله... وهو يصونها ولا مجال للتشكيك في عمله...

وبعمل الروح القدس تأتي طهارة يوسف، نتيجةُ لبرارته وصدقه والتزامه بكلام الله المُرسل مع الملاك. ولا حاجة للعمر أو للعجز بسبب العمر، ليكونَ طاهرًا... يقولُ الملاك لمريم"ليسَ من أمرٍ عسيرٍ عندَ الله"/ وتاليًا فإنّ تدخُّل الله بحيثُ تحبل نساءٌ عاقرات ونساء تقدمت بهنّ السنّ، وعذراء لا تعرف رجلًا/  لا يُقصّر الله في حماية يوسف أو غيره من الطهر والطهارة...

ومهما كانت رغباتُ يوسف، فإنّها تتحوّل إلى زنابقَ طهرٍ لمجرّد أنّ الملاك قال له/ "وابن العليّ يُدعى"/ فأصغى إلى الملاك وقام وعملَ بما قاله له...

كما أنّ هذا الإدّعاء هو تشكيكٌ في طهارة مريم العذراء وقد نذرت نفسها لله / وأجابت الملاك أنا لا أعرفُ رجلًا... ثمّ قبولها طائعةً بأمرِ الله "أنا امةٌ لله"...

وفي هذا المناخ الألوهي حيثُ يعمل الروح القدس/ لا نشكُّ أبدًا في من ستكونُ أمًّا لله ستبقى نقيّة وطاهرة طيلة حياتها... وهل من بعد الله غاية لأيّ إنسان؟ من يبلغ الله لا يعودُ يرغبُ في شؤون الجسد والدنيا... فكيف إذا كان هذا الشخص مريم العذراء؟؟؟

ثمَّ أخيرًا، ليسَ بالضرورة أن يكون الرجلُ قد تقدّم بالعمر ليكونَ بعيدًا من دنس، ولا يقترن بامرأة/ فداوود الملك قدّموا له فتاةً بعمر 16 سنة وهو في عمر 86/ وابراهيم الخليل أولد هاجر في عمر 86 وساره في عمر مئة فولدت إسحق...

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

16 – القدّيس يوسف العامل

ميشال مرقص –

 

تُشكّلُ علاقة القدّيس يوسف بالعمل، جانبًا يُميّزه. سُلِّط الضوءُ على هذا الجانب منذ الرسالة العامّة الاجتماعية الأولى، للبابا لاوون الثالث عشر، الشوق للتجديد (Rerum novarum). كان القدّيس يوسف نجّارًا يعمل بأمانة ليؤمّن معيشة عائلته. تعلّم يسوعُ منه قيمة وكرامة وفرح ما يعني أن نأكل الخبز من عرق جبيننا.

كان نجارًا متواضعًا يعيشً في الناصرة، يتآلفُ مع وضعه المادّي والمعيشي، ويحترم العمل ويحبّه لأنّ العمل يمثل كرامة الذين يعملون لإعالة أسرهم. إن وضع الله ابنهُ في رعاية القديس يوسف، هو المثال الأسمى للعمل الصادق القدير الذي يستحقهُ.

فعملُ القدّيس يوسف لا ينحصر في فعل تأمين الرزق من مهنته اليدويّة، بل أوكله الله بابنه يسوع ليربّيه ويرعاه ويسهر على سلامته، وينتقل به إلى مصر ويعودُ منها/ ويُرسلُهُ يتعلّم أصول الدين.

يقول القديس توما الإكويني: "يحظى بعض القديسين بإمتياز أن يقدموا لنا رعايتهم بفاعلية خاصة في إحتياجات معينة، ولكن ليس في إحتياجات أخرى، لكن شفيعنا القديس يوسف لديهِ القدرة على مساعدتنا في جميع الحالات، وفي كل ضرورة مهمة".

لذا يستحق القديس يوسف إعجابنا بفضائلهِ، مع الحرص على الإقتداء بهِ بشكل خاص لحبهِ يسوع ومريم، لأنه قد تم وضعهُ في حياتهم من قِبل العناية الإلهية الحكيمة، عندما لبّى توقعات الله وقد منحه إيّاها. وأكثر ما يميز يوسف أنّه كان في شركة يسوع ومريم لسنوات. فوضع حبهُ موضع التنفيذ. وضع يوسف حبهُ في العمل، ولم يخبر يسوع ومريم فقط أنهُ أحبهما، بل ترجمَ حبهُ وعاشهُ في خدمتهما وحمايتهما.

 

 شهر آذار تكريم القديس يوسف؟

17 – وفاة القدّيس يوسف

ميشال مرقص –

 

لا تذكر الإناجيل شيئًا صريحًا عن وفاة القديس يوسف. أما بالنسبة لوقته، فقد اختزلنا فرضيات ثلاث:

-  الفرضيّة الأولى: أن يكون القديس يوسف قد مات بعد فترة وجيزة من ضياع يسوع ووجوده في الهيكل. القديس إبيفانيوس يتمسك بهذا الرأي، نتيجةً لصمت الأناجيل عن القديس يوسف بعد تلك الحادثة. هذه الفرضيّة غير مقنعة، قياسًا إلى أنّ الأناجيل لا تذكر شيئًا أيضًا عن حياة يسوع بين 12 عامًا وبداية حياته العامة، على الإطلاق. لذلك كان يُمكن أن يموت القديس يوسف عندما بلغ يسوع 20 أو 25 أو 30 عامًا.

-  الفرضيّة الثانيّة بعيدة الاحتمال، يثبت القديس أمبروز موت القديس يوسف بعد قيامة يسوع، ووتاليًا يجعل القديس يوسف يساعد في آلام المسيحيتمسك الآباء الآخرون بهذا الرأي.

 قد يكون الآباء الذين يرون هذا الرأي قد ضللهم القديس لوقا، الذي أعطى اسم البار ليوسف الرامي، الذي جاء ليطالب بجسد يسوع.هذا الاسم اللقب ذاته أطلقه القديس متى على القديس يوسف، زوج مريم، في بداية إنجيله عندما تحدث عن شك القديس يوسف في حمل مريم بيسوع.

-  الفرضيّة الثالثة تضع وفاة القديس يوسف قبل وقت قصير من بداية حياة يسوع العلنيّة. تشير عدة مقاطع من الإنجيل إلى موت يوسف قبل حياة يسوع العامة:

-  عرس قانا: دعيت مريم الى العرس.فلو كان القديس يوسف لا يزال على قيد الحياة، كانت تجب دعوته أيضًا.

-  ثمَّ عندما سأل يسوع من أمي وأخوتي ممّن يبحث عنه، ولم يذكر يوسف أباه. في حين عندما ضاع وكان بقي في الهيكل|، قالت له مريم:"أنا وأبوط نبحثُ عنك"...

 -  على الصليب، عهد يسوع بوالدته إلى القديس يوحنا.فلو كان يوسف لا يزال على قيد الحياة، لم يكن ذلك ضروريًا.

هذه الفرضيّة أقرب إلى الواقع للأسباب الآتية: (يتبع).

 شهر آذار تكريم القديس يوسف

18– وفاة القدّيس يوسف وقيامته؟

ميشال مرقص – (تابع)

 

من الإستنتاجات أنّه إذا مات القديس يوسف ويسوع في 12 من عمره فقط ، لكانت السيدة العذراء ويسوع بلا موارد: لم يكن يسوع قادرًا على تولي مهام يوسف في عمل النجارة. لأنّ يوسف أٌعطيَ تحديدًا كزوج لمريم وأب ليسوع من أجل تأمين وتلبية احتياجات العائلة المقدسة، حتى المتواضعة منها. لذلك يصعب الاعتراف بأن العناية المقدسة حرمت الأم والطفل من دعم الأب عندما كان ذلك لا يزال ضروريًا.

كما يبدو واضحًا أن مهمة القديس يوسف قد اكتملت عندما أصبح يسوع قادرًا على توفير احتياجات أمه؛ عندها يمكن للقديس يوسف أن ينهي حياته على الأرض بموت سعيد محاطًا بيسوع ومريم

قيامة القديس يوسف!!!

إذا كان القديس يوسف قام حقًا، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: متى؟ يشير المؤلفون الذين يتحدثون عن قيامة والد يسوع المفترض بشكل عام إلى الآيات 52-53 من الفصل السابع والعشرين من إنجيل القديس متى:

"وفتحت القبور، وقام العديد من جثث القديسين الأموات. وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وأظهروا أنفسهم لكثير من الناس."

وبحسب آباء الكنيسة، هناك مرحلتان: في المرحلة الأولى ، فتحت القبور لحظة موت المسيح لإعلان انتصار المسيح على الموت؛ ومرة ثانية مع قيامته.

ويبدو من الأسهل التأكيد على أن القديس يوسف أقيمَ مع هؤلاء الأموات وتبع المسيح في صعوده معهم إذ يبدو معقولًا أكثر الاعتقاد بأن هؤلاء القديسين قاموا من بين الأموات، واتبعوا المسيح في صعوده.

ورغم أن الأناجيل لا تتحدث عن قيامة القديس يوسف، فإن آيتين من القديس متى تسمحان بافتراض ذلك.وضروري الإطلاع عن كثب على كتابات الآباء وشهادات التقليد، لمعرفة ما إذا كانت تقدم ما يسمح بتأكيد قيامة القديس يوسف على وجه اليقين. (يتبع)

 

 

شهر آذار تكريم القديس يوسف

19– قيامة يوسف وانتقاله

ميشال مرقص – (تابع)

 

في بلدة إيتابيرانجا، في منطقة الأمازون، يظهر القديس يوسف بانتظام منذ العام 1994 أم وابنها. وقد اعترف الأسقف المحلي رسميًا بهذه الظهورات، التي لا تزال مستمرة. خلال إحداها أكد القديس يوسف أنه كان في الجنّة بجسده وأن الكنيسة ستعترف يومًا ما، بانتقاله إلى حقيقة الإيمان.

شهادات القديسين حول قيامة القديس يوسف

تحدث قديسون أو مؤلفون أتقياء بوضوح شديد بهذا المعنى. وهنا شهاداتُ بعضهم بحسب ترتيبها الزمني.

القديس فنسنت فيرير (1350-1419)  بشر بهذه الحقيقة ذاتها في الساحات العامة، وكان الله يفرح بكلماته ويؤكّدها  بظهورات عجائبيّة.

 جيرسون (1363-1429)  "كيف لم يُمنح يوسف الصديق لينتصر على الموت مع هؤلاء المباركين (راجع متى 27 / 53-54) ، ليظهر لمريم، عروسه الحبيبة، ويتبع يسوع في صعوده إلى السماء؟" (عظة ميلاد مريم).

القديس برناردين سيينا (1380-1444) خلال عظة في بادوفا، صرخ قائلاً: "أؤكد لكم أن القديس يوسف في الجسد والروح في السماء، وكلّها مبهرة بالمجد، لأنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أنّ يسوع منح أباه بالتبني، الامتياز ذاته  الذي تتمتع به والدته المقدسة". وحدثت معجزة لتؤكّد كلامه/ فظهر صليب ذهبي مضيء على رأس الواعظ المقدس وشاهده الجمهور. (cf Auréole séraphique 20 mai)

فرانسوا سواريز (1548-1617) بالنسبة لهذا اللاهوتي اليسوعي العظيم، فإن صعود القديس يوسف، بعد قيامته "عندما مات المخلص" ، سيكون حقيقة "إيمان تقي" وليس الأمر "غير محتمل".

القديس فرنسوا دي لا سال (1576-1622) "القديس يوسف هو بلا أدنى شك، بالجسد والروح".